القاهرة | قد تستوجب سخرية القدر أن ينال الرئيس السابق حسني مبارك حريته مجدداً، بالتزامن مع حلول الذكرى الثانية لاندلاع ثورة «25 يناير» التي خلعته عن الحكم بعد 30 سنة قضاها رئيساً للجمهورية. وهي ذكرى بدأت قوى المعارضة الإعداد لإحيائها، كما أن جماعة الإخوان المسلمين شرعت هي الأخرى في الإعداد لمواجهتها، ربما باحتفالات كتلك التي حاولت تنظيمها العام الماضي. لكن يبدو من غير المستبعد من جانب آخر احتمال تجدد المواجهات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه قبل ذكرى الثورة على الأقل، كما بدا من الهجوم الذي تعرض له المعتصمون أمام القصر الجمهوري بالمولوتوف والرصاص من قبل مجهولين مساء أول من أمس. وهي اعتداءات أدت إلى إصابة عدد منهم، لكن دون سقوط ضحايا، في ظل تقلص أعداد خيم المعتصمين الى عشر فقط.
وتزامن الحادث مع إعلان محكمة النقض أمس قرارها بإلغاء الأحكام بإدانة الرئيس المخلوع ووزير داخليته حبيب العادلي بتهمة قتل المتظاهرين، فيما صدر قرار قضائي آخر بحبس مبارك 15 يوماً احتياطياً على ذمة اتهامه بتلقي هدايا من مؤسسة الأهرام _ وهي أكبر مؤسسة صحافية مملوكة للدولة.
وهو ما فُسّر باعتباره محاولة لدرء احتمال الإفراج عنه بعد إلغاء الحكم عليه في قضية قتل المتظاهرين، ولا سيما أن الرجل استنفد المدد القانونية للحبس الاحتياطي في كل قضايا الفساد المالي التي يجري التحقيق معه فيها. إلا أن ساعات قلائل فصلت بين الإعلان عن حبس مبارك احتياطياً والإعلان عن التصالح مع نيابة الأموال العامة، في مقابل سداده نحو عشرين مليون جنيه، ما يعني أن المخلوع لا يواجه إلا حبسه الحالي بموجب الحكم الصادر في حزيران من العام الماضي.
لكن مصدراً مطلعاً على سير القضية، طلب عدم ذكر اسمه، استبعد احتمال الإفراج عن مبارك بموجب قاعدة قانونية تعيد المتهم في هذه الحالات إلى وضعه وقت إحالته إلى المحاكمة، ما يعني الإبقاء عليه في سجنه كونه أحيل الى المحكمة محبوساً.
لكن تخفيف الحكم على مبارك في قضية قتل المتظاهرين خلال أيام الثورة يبقى أمراً غير مستبعد على كل حال. فقبول الطعن الذي تقدمت به النيابة العامة وطعن المتهمين معاً، سيعني إعادة النظر في القضية مجدداً أمام دائرة جديدة في محكمة الجنايات على خلفية ما دفعت به محكمة النقض لقبول الطعن. إلا أن المحكمة لا تملك إصدار حكم أقسى من الحكم الأول _ السجن المؤبد _ انطلاقاً من قاعدة قانونية مفادها ألا يضار طاعن من طعنه.
وفي السياق، رأت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية «أن قرار محكمة النقض الصادر بإلغاء الأحكام بإدانة الرئيس المخلوع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي جاء نتيجة متوقعة لمحاكمة معيبة ومخيبة للآمال».
وشددت على أنه «رغم التفاؤل الشعبي بقرب تحقق العدالة بعد رؤية مبارك وكبار معاونيه خلف القضبان الحديدية في المحكمة، إلا أن ما رأيناه بعد ذلك كان مجرد تحقيقات سطحية شابها الإهمال وابتعدت تماماً عن السعي لتحديد الفاعلين الأصليين للجرائم، فضلاً عن أن المحاكمة اقتصرت على جرائم ارتكبت في الأيام السبعة الأولى لاندلاع الثورة وعلى الضحايا الذين استشهدوا أو أصيبوا في الميادين العامة فقط».
وأشار تقرير المبادرة المصرية الى أن «التسييس وليس مقتضيات استيفاء العدالة كان المُسير لعمل الجهات القائمة على هذه المحاكمة، سواء النيابة العامة أو هيئة المحكمة. وكانت النيابة العامة محلاً للنقد الشديد في هذه القضية لما اتسم به عملها من قصور مهني شديد وتباطؤ غير مبرر في فتح التحقيق وإحالة المتهمين تارة، وإسراع غير مبرر في إتمام التحقيق تارة أخرى، فضلاً عن تجاهل التحقيق مع متهمين تشير الدلائل إلى ضلوعهم في الجرائم محل المحاكمة وما يدلل عليه ذلك من تقاعس في تحديد الفاعلين الأصليين».
وتضمن التقرير توصيات من أجل تفادي ما قالت المبادرة إنها أخطاء عيوب شابت محاكمة مبارك، وعلى رأسها التوصية بإعادة ملف القضية إلى النيابة العامة لاستكمال الأدلة وضم الفاعلين الأصليين من قتلة الثوار كمتهمين جدد.
ولا يمكن استبعاد سير قضية مبارك على كل حال من التأثير على الاستحقاق الانتحابي البرلماني، ولا سيما أن التطورات في قضيته تزامنت مع اجتماع لقيادات جبهة الإنقاذ الوطني وهي أبرز تشكيلات المعارضة. وناقشت الجبهة استعدادها لإحياء ذكرى الثورة وخوض الانتخابات البرلمانية، حسبما قالت تلك القيادات على هامش الاجتماع. وأفاد مصدر في الجبهة لـ«الأخبار» بأن أحزاب الجبهة مصممة على استمرار وحدتها وخوض الانتخابات عبر قوائم موحّدة باسم الجبهة.