عاش ابناء المخيمات في بيروت خلال السنين الماضية ما عاشه اللبنانيون منذ يومين. فهم كانوا قد اعتادوا طوفان بيوتهم بالمياه الآسنة عند كل «شتوة». اذ ان شبكات الصرف الصحي التابعة للمخيمات والتي لم تكن موصولة بشبكات مجاري البلديات المحيطة بها جعلت من الصعب تصريف مياه المجاري والامطار على حد سواء. فكانت هذه المياه تجد سبيلها الى منازل اللاجئين. بالطبع قبل اعادة الاونروا تأهيل البنى التحتية كان الفلسطينيون يعتمدون على انفسهم انطلاقاً من مبدأ «الوقاية خير من قنطار علاج». فكانوا قبل بدء موسم الشتاء يرفعون عتبات ابوابهم بحجارة خفان. ولم يكن الامر يقتصر على رفع عتبات المنازل، اذ ان المياه كانت تخرج من داخل المنازل نفسها، فعمد البعض إلى رفع عتبة باب حمامه كي لا تطوف مياه الصرف الصحي الى باقي غرف المنزل. اكثر من يتذكر هذه الحوادث هم ابناء منطقة جورة التراشحة في مخيم برج البراجنة. اما جورة التراشحة فهي بالفعل «جورة». فالمنطقة تقع في منخفض، حيث مياه الامطار في المناطق المحيطة تصب فيها.
وكما كل عام ومن باب على «الاحوط وجوباً» استعد الفلسطينيون لفصل الشتاء. عتبات ابوابهم مرفوعة «خلقة»، لكنهم هذه المرة تأكدوا من متانتها ودعموها ببعض الباطون. وبعد انتهاء العاصفة الاخيرة لم تغرق البيوت في جورة التراشحة كما كان يجري في السابق، واقتصرت الاضرار على بعض التي دخلتها المياه. لكن رغم ذلك لم تكن بالسوء الذي كانت عليه في السنين الماضية وبقيت «محمولة»، امام ما كانوا يعيشونه. اما في البقاع، فإن عبارة «زي الزفت»، تكاد تكون الرد العفوي والأسرع الذي يستعمله ابناء مخيم الجليل. والزفت هنا، قطعاً لا يعني إنماءً وتعبيداً للأزقة الضيقة، بل للدلالة على «الشحار والتعتير والذل اللي عايشينه بالمخيم»، كما تقول مريم كرزون ابنة المخيم. تسابق المرأة تساقط حبات الماء المتسربة من سقف الغرفة التي تقطن وعائلتها فيها، في المبنى الرئيسي عند واجهة المخيم. «الجاطات» البلاستيكية وطناجر الستانلس حجزت لها مكاناً في منزلها. فوق التلفاز يتموضع أحدها، وبالقرب من المدفأة آخر، في حين انتشر الباقي عند المدخل وفي زوايا المطبخ. كل ذلك لاتقاء الرطوبة والبلل، «من اللي بتشتيهم برا وبصيرو من بعدها جوا، لإنو الإونروا لحد اليوم ما رممت المبنى» كما تقول.
في المخيم تكوّم الثلج، وحاول البعض فتح ممرات ضيقة وإزالة الجليد. لكن ذلك لم يمنع الحركة النشطة في الجليل. خرج البعض لشراء غالونات مياه للشرب، والبعض الآخر حمل بضعة ليترات من مازوت التدفئة بغالون أو قنينة «أبو جمبو». خبز وخضار وكراتين مساعدات من الهلال الأحمر الإماراتي. إنه اليوم الأول بعد العاصفة. أمام مركز أطفال الجليل، تجمع العديد من شباب ونسوة «اليرموك»، بغية تسجيل أسمائهم للحصول على «بونات» مازوت. الكمية تؤمنها «أوكسفام» الإيطالية لنازحي اليرموك. صبحية كايد إحدى النازحات، تشكو عدم تسلمها «صوبيا ومازوت»، «أنا وبنتي مشنططين (ضايعين) من بيت لبيت حتى نحصل على شوية دفا. عيب الواحد يحكي بس هيدا حالنا» تقول بحرقة. نبيهة شهابي «يرموكية» أيضاً، تنتظر بفارغ الصبر «بون الـ15 ليتر مازوت»، مشيرة إلى أنه وعلى الرغم من الكمية «ما بتعمل شي، بس بيمشوا الحال، والله العيشة صعبة كثير هون، وما معي مصاري وعم آخذ من قرايبيني مازوت حتى ندبر حالنا»، كما تؤكد.
وفي عين الحلوة حولت الأمطار الغزيرة المخيم إلى تجمع عائم. فقد صبت السيول المنحدرة من البساتين والتلال المجاورة في أحيائه وأزقته الضيقة، جارفة السيول والأوساخ التي دخلت بعض المنازل والمحال. الحركة في أرجاء المخيم اقتصرت على مياه الأمطار والصرف الصحي التي اختلط بعضها ببعض بعدما فاضت الأقنية المخصصة لها. أهالي المخيم صبوا غضبهم من العاصفة على وكالة الأونروا واتهموها بالتقصير في فتح الأقنية واستحداث قنوات تصريف مياه بديلة وبنية تحتية حديثة تفادياً لوقوع أضرار في العواصف المقبلة.
إلى صور، حيث توجهت الانظار قبيل هبوب العاصفة على تجمع جل البحر الواقع على شاطئ مدخل صور الشمالي. يتحول التجمع عند كل عاصفة إلى غريق تبتلعه الأمواج العاتية التي تضرب المنازل التي تشكل شريطاً متوازياً بين الطريق الرئيسية والشاطئ. وقد تضررت عشرات البيوت في العواصف السابقة واستنفرت حينها السفارة الفلسطينية والهيئات المحلية لايجاد حل لأزمة التجمع تحسباً من أن يبتلعه البحر. غير أن العاصفة الأخيرة رحمت جل البحر، فجاءت الأضرار أقل وطأة من المرات السابقة. لكن هذا لم يمنع من تداعي عدد من الأسقف التي تصدعت في العواصف السابقة ولم يستطع أصحابها ترميمها. فيما لم تتمكن أسقف الزينكو من معاندة الريح. المتضررون لم يجدوا سوى مساعدات ترميم أولية من جمعية المساعدات النروجية. إلا أن الترميم لا يطال أسقف الباطون التي لا يمنح أصحابها ترخيصاً لذلك من السلطات المعنية.
العاصفة صبت جام غضبها على مخيم الرشيدية. «قيامة وقامت». هكذا يصف الأهالي ما حصل في المخيم البحري في أيام العاصفة. الأمواج العاتية تحولت إلى تسونامي ضرب المخيم القديم الجنوبي لا سيما أحياء العراعير، التي غرقت بالمياه والسيول وأتلف أثاث المنازل وشرد ساكنيها. حتى أنها لم تستثن مقبرة المخيم التي غرقت تماماً بالوحول والمياه التي تدفقت عليها من ناحية البحر الذي تحاذيه غرباً والأراضي الزراعية التي تجاوره شرقاً. العاصفة تسببت فخي سائر فادحة في المزروعات حيث أتلفت محاصيل الخضر والموز والحمضيات. وإذا كانت الدولة اللبنانية قد تفقدت حي السلم الذي أصيب بأضرار مشابهة لمخيم الرشيدية وأقرت لسكانه التعويضات، فالأمر لا ينسحب على الرشيدية. وأوضح مسؤول الإعلام في حركة فتح في مخيمات صور محمد بقاعي بأن اللجان الشعبية غير قادرة على التعويض على المتضررين في ظل الأزمة المالية التي تعانيها «فتح» وثقل أزمة النازحين الفلسطينيين من سوريا.
(اعداد: قاسم قاسم،
امال خليل، رامح حمية
)




يقول أمين سر اللجان الشعبية في مخيم الجليل إن الوضع في المخيم «مأساوي وكارثي»، خصوصاً بعدما ارتفع عدد النازحين الفلسطينيين من مخيم اليرموك ليصل حد 800 عائلة، حتى باتت الغرفة الواحدة في المخيم تحوي ما يقارب 40 شخصاً. يقول «نخشى فعلياً من حصول كارثة»، خصوصاً أن المبنى الرئيسي والذي يستقطب غالبية العائلات، يعاني من تصدعات وتسرب لمياه الأمطار إلى داخله.