تونس | يحتفل التونسيون يوم الإثنين المقبل، الذي يصادف 14 كانون الثاني، بالذكرى الثانية لفرار الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي من البلاد وسقوط نظامه بعد ٢٣ عاماً استشرى فيها الفساد في مفاصل الدولة وغابت عنها الحرية والديموقراطية. رغم الفرحة التي غمرت التونسيين قبل عامين، فإن الذكرى الثانية تحل وسط إحباط يكاد يكون عاماً في الشارع التونسي ومخاوف غير مسبوقة من المستقبل، ولا سيما من ظاهرة انتشار السلاح والانهيار الاقتصادي بعد البرقية التي أصدرتها وكالة الأنباء الرسمية عن تراجع السيولة في البنك المركزي وامكان العجز عن صرف الدولة لأجور الشهر الحالي.
وفيما سارع وزير المال الجديد الياس الفخفاخ إلى طمأنة التونسيين والتأكيد على وجود رصيد من العملة الصعبة ومن السيولة يفوق ما كان متوافراً في العام الماضي في نفس الفترة، فإن خوف التونسيين لم يهدأ. وترجم بالإحباط بعد عامين لم يتحقق فيهما شيء مهم من مطالب المواطنين ولا سيما التشغيل. عدد العاطلين من العمل ارتفع إلى حوالي المليون بعدما كان في حدود ٦٠٠ ألف فقط قبل عامين، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وتراجع الأداء الأمني وارتفاع معدل الجريمة وتراجع الخدمات.
لكن الوضع الاقتصادي السيئ الذي يهدد البلاد بالإفلاس ليس وحده ما يرعب التونسيين بل الوضع الأمني، اذ تفيد المعطيات أن السلاح انتشر بشكل غير مسبوق. ويلاحظ التونسيون منذ فترة حملات تفتيش للسيارات ودوريات أمنية مكثفة وتثبّت من الهوية لكل المواطنين في الطرقات بشكل غير مسبوق منذ حوالي عشرين عاماً عندما كان النظام السابق يطارد الإسلاميين.
وقد زاد اعلان المؤسسة العسكرية عن انتحار رقيب أول في الجيش مؤخراً في مركز الإيقاف بعد ورود معلومات عن الاشتباه في صلته بالمجموعة المسلحة التي تسللت من الجزائر في محافظة جندوبة قبل أيام من هذه المخاوف، إذ كانت المؤسسة العسكرية دائماً بعيدة عن التجاذبات السياسية وعصية على الاختراق. وهو سر التقدير الكبير الذي تحظى به في الشارع التونسي وفي الوجدان الجماعي للتونسيين.
مواجهة بين النهضة والمعارضة
واذا كانت هذه حال التونسيين البسطاء قبل أيام قليلة من ذكرى سقوط نظام بن علي، فإن الصراع السياسي والانقسام في الشارع ازدادت حدتهما. حركة النهضة وحليفاها في الحكومة (حزبا المؤتمر والتكتل) تستعد للاحتفال بهذه الذكرى التي لولاها لما وصلوا الى الحكم. وفي السياق، أعلن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، أن سنة ٢٠١٣ ستكون سنة النصر النهائي لقوى الثورة على جيوب الثورة المضادة من بقايا النظام السابق.
في المقابل، أعلنت المعارضة بفصائلها الليبرالية واليسارية والقومية عن مواصلة الاحتجاج في الشارع، واعتبار يوم ١٤ كانون الثاني يوماً للغضب والاحتجاج ضد حكومة «لالتفاف على الثورة» كما تسميها الجبهة الشعبية في ظل اعتقاد اغلب فصائل المعارضة أن الحكومة الحالية بمثابة النموذج الحقيقي للثورة المضادة.
وقد بدأت التحركات من مدينة القصرين وأحوازها، وهي المحافظة الذي سقط فيها أكبر عدد من الشهداء. وقد أعلن ناشطون من اليسار ومهمشون من المعطلين من العمل «أسبوع الغضب»، الذي سيتواصل الى يوم الاثنين المقبل. كما نفذ اهالي مدينة الرديف قبل أيام في الذكرى الخامسة لانتفاضتهم إضراباً عاماً. وتتواصل منذ يومين المواجهات بين مواطنين وقوات الأمن في مدينة بن قردان على الحدود مع ليبيا، ووصلت الاحتجاجات لأول مرة الى مدينة الفوار الصحراوية على الحدود الجزائرية، إذ نفذ السكان إضراباً عاماً وقطعوا الطريق الرابط بين المدينة ومركز المحافظة قبلي.
وتواجه الحكومة غضباً عارماً في القطاعات الحساسة مثل القضاء، إذ نفذ القضاة وقفة احتجاجية أمام المجلس الوطني التأسيسي اليوم للمطالبة بتأسيس هيئة عليا مستقلة للقضاء والتي اعترضت عليها كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي. كما أضيف اسم الصحافية منى البوعزيزي إلى قائمة الصحافيين المحالين على القضاء بعد المدونة ألفة الرياحي التي كشفت عن وثائق فساد تدين وزير الخارجية رفيق عبدالسلام صهر راشد الغنوشي.
أما الدستور فقد أثارت مسودته ردود فعل سلبية، إذ أجمع خبراء القانون الدستوري على أنه في معظم فصوله لا يرقى لبلد قاد ثورة استثنائية في العالم، كما أكد آخرون أنه يؤسس لدولة دينية بأفق استبدادي، لتغدو تونس بعد عامين من الثورة تعيش في خوف من
المجهول.