في أول ظهور علني له منذ حزيران الماضي، وأول تصريحات علنية له منذ مقابلة تلفزيونية في تشرين الثاني، أطل الرئيس السوري بشار الأسد من دار الأوبرا في دمشق ليقدّم رؤيته لحل سياسي على مراحل، في وقت لاقت فيه «المبادرة» ردود فعل دولية مختلفة.
وأكد الأسد أنّ أيّ مرحلة انتقالية في سوريا يجب أن تتمّ بـ«الوسائل الدستورية»، داعياً إلى مؤتمر وطني بإشراف الحكومة الحالية بعد وقف العمليات العسكرية. ورأى أنّ سوريا الآن «أمام حالة حرب بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. نحن الآن نصدّ عدواناً خارجياً شرساً بشكل جديد... يستهدف سوريا عبر حفنة من السوريين وكثير من الأجانب». وتابع «إذا كنا اخترنا الحلّ السياسي فإنه لا يعني ألا ندافع عن أنفسنا، وإذا كنا اخترنا الحلّ السياسي فهذا يعني أننا بحاجة إلى شريك للسير في عملية سياسية، وراغب في السير بعملية حوار على المستوى الوطني».
وعرض الأسد «حلاً سياسياً» يقوم على ثلاث مراحل من بنود عديدة، ويشكّل بالنسبة إليه نقطة استناد لأيّ مبادرة أخرى. وقال أمام حشد كبير في دار «الأسد للثقافة والفنون وسط دمشق» إنّه قرّر عرض الحلّ «إيماناً منّا بضرورة الحوار بين أبناء سوريا وبقيادة سوريا، ومن أجل استعادة مناخ الأمن وإعادة الاستقرار».
وينصّ البند الأول على أن تلتزم الدول الإقليمية والدولية المعنية بوقف «تمويل وتسليح وإيواء المسلحين بالتوازي مع وقف المسلحين كافة العمليات الإرهابية، ما يسهّل عودة النازخين السوريين إلى أماكن إقامتهم الأصلية». وأضاف «بعد ذلك يتمّ وقف العمليات العسكرية من قبل قواتنا المسلحة التي تحتفظ بحق الردّ، في حال تعرض أمن الوطن أو المواطن أو المنشآت العامة أو الخاصة لأيّ اعتداء»، مع ضرورة «إيجاد آلية التأكد من التزام الجميع بالبند السابق، وخاصة ضبط الحدود». وينصّ البند على أن «تبدأ الحكومة القائمة مباشرة بإجراء اتصالات مكثفة مع كل أطياف المجتمع السوري بأحزابه وهيئاته لإدارة حوارات مفتوحة لعقد مؤتمر للحوار الوطني تشارك فيه كل القوى الراغبة بحلّ في سوريا، من داخل البلاد وخارجها».
وفي المرحلة الثانية، ستدعو الحكومة الحالية إلى مؤتمر «للوصول إلى ميثاق وطني يتمسّك بسيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، ورفض التدخل في شؤونها ونبذ الإرهاب والعنف بكل أشكاله»، على أن يعرض الميثاق للاستفتاء الشعبي وتنفّذ بنوده «حكومة موسعة تشكّل، وتتمثّل فيها مكونات المجتمع السوري». وفي آخر البنود «إجراء انتخابات برلمانية جديدة»، تليها حكومة تشكل وفق الدستور. وأعلن الأسد أنّ الحكومة الحالية ستكلف «بالتوسع في هذه العناوين وتقدم الرؤية خلال الأيام القليلة المقبلة».
وقطع الأسد الطريق على أيّ مبادرة جديدة للحلّ من قبل أيّ طرف خارجي، عندما قال إنّ أيّ مبادرة من الخارج «يجب أن تستند إلى هذه الرؤية السيادية، وأيّ مبادرة هي مبادرة مساعدة لما سيقوم به السوريون ولا تحلّ محلها». وأكد الأسد أنّ «أي شيء نقوم به في هذه المبادرة لا يعني التراجع عن مكافحة الإرهاب»، وأضاف إنّ «يدنا ممدودة للحوار» مع «كلّ من خالفنا بالسياسة». كما رأى أنّ هذا الحوار لن يشمل «أصحاب فكر متطرف لا يؤمنون إلا بلغة الدم والقتل والإرهاب»، ولا «دمى رسمها الغرب وصنعها وكتب نصوص الرواية عنها»، لأن «من الأولى أن نحاور الأصيل، لا البديل. نحاور السيّد لا العبد».
وأعلن الأسد أنّ بلاده كانت منذ البداية مع الحلّ السياسي للأزمة، «لكننا لم نجد الشريك»، رافضاً الحوار مع «عصابات تؤتمر من الخارج». وأكد أنّ الغرب «هو من سدّ باب الحوار، لا نحن، لأنّه اعتاد إعطاء الأوامر، ونحن اعتدنا السيادة والاستقلال وحرية القرار».
وحذّر الأسد من أنّ «هناك من يسعى إلى تقسيم سوريا، وآخرين يسعون إلى إضعافها». ولفت إلى أنّ «ما تسمعونه أو سمعتموه في الماضي من مصطلحات، وأفكار، وآراء، ومبادرات، وتصريحات عبر الإعلام ومن مسؤولين، لا تهمنا إذا كانت مصطلحات ذات منشأ ربيعي (في إشارة إلى ما يسمى «الربيع العربي»). فهي فقاعات صابون كما هو الربيع عبارة عن فقاعة صابون ستختفي».
وفي ردود الفعل، قال وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، في بيان، إنّ «هذه الخطّة ترفض العنف والإرهاب وأيّ تدخل خارجي، وترسم مستقبلاً للبلاد عبر عملية سياسية شاملة».
في موازاة ذلك، قال المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية، حسن عبد العظيم، «لن نشارك في أيّ مؤتمر للحوار الوطني قبل وقف العنف أولاً، وإطلاق سراح المعتقلين وتأمين الإغاثة للمناطق المنكوبة المتضررة وبيان مصير المفقودين». وأوضح أن «أيّ تفاوض وليس حوار يجب أن يكون بإشراف مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة»، مؤكداً أنّه «ليس هناك من حوار أو تفاوض بيننا وبين النظام مباشرة».
بدوره، سارع الائتلاف السوري المعارض إلى رفض طرح الأسد. ورأى، في بيان، أنّ الخطاب يؤكد «عدم أهلية» الأسد لشغل «منصب رئيس دولة يدرك المسؤوليات الجسام التي تقع على عاتقه في فترة حرجة من تاريخ بلده»، وعدم قدرته على «الشروع في حلّ سياسي يقدّم مخرجاً للبلاد ولنظامه بأقل الخسائر».
من جهتها، قالت جماعة «الإخوان المسلمين» إنّ الأسد «لم يعد يعني السوريين في شيء أصلاً».
من ناحيته، اعتبر المجلس الوطني السوري أنّ الأسد «ردّ على المبادرات الدولية بالرفض القاطع رداً على الهزائم التي تلحق بقواته بخطاب مزاعم منفصل عن الواقع».
دولياً، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، في بيان، إنّ خطاب الأسد «هو محاولة جديدة يقوم بها النظام للتمسك بالسلطة، ولا يقدّم أيّ شيء ليمضي الشعب السوري قدماً نحو تحقيق هدفه المتمثل في انتقال سياسي». وأضافت نولاند إنّ «مبادرة (الأسد) منفصلة عن الواقع. إنها تقوّض جهود الوسيط (العربي والدولي) الأخضر الإبراهيمي، وستكون نتيجتها الوحيدة استمرار القمع الدامي للشعب السوري».
من ناحيتها، دانت فرنسا ما اعتبرته «إنكاراً للواقع» في خطاب الأسد. وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية، فيليب لاليو، في بيان، أنّ «رحيل بشار الأسد يظلّ شرطاً لا يمكن الالتفاف حوله لإقامة فترة سياسية انتقالية، كما يذكر بذلك الائتلاف الوطني السوري».
وجدّد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مطالبته الأسد بالرحيل، فيما اعتبر وزير خارجيته وليام هيغ أنّ خطاب الأخير «أكثر من نفاق»، محمّلاً إيّاه مسؤولية «القتلى والعنف والقمع الذي تغرق فيه سوريا، ووعوده الباطلة لا تخدع أحداً». وأسف نظيره الألماني، غيدو فيسترفيلي، لأنّ الخطاب «لا يعبّر عن أيّ إدراك جديد» للواقع في سوريا. ورأى أنّه «بدلاً من تجديد نبرته العسكرية، كان من الحريّ به إفساح المجال أمام تشكيل حكومة انتقالية وحصول انطلاقة سياسية جديدة في سوريا».
إلى ذلك، أعلن الرئيس المصري محمد مرسي، في حديث تلفزيوني، أنّه يدعم دعوة الشعب السوري لمحاكمة الرئيس الأسد على جرائم حرب ارتكبها. وقال إنّ «الشعب السوري، وبفضل ثورته والانطلاقة التي حققتها، سيصل عندما يتوقف حمام الدم إلى مرحلة جديدة سيكون له خلالها برلمان مستقل وحكومة يختارها بنفسه».
(أ ف ب، رويترز، أ ب، سانا)



معارك في دمشق وحلب

واصلت القوات النظامية السورية، أمس، قصف مناطق في ريف دمشق، فيما قتل 14 شخصاً آخرين في قصف على حيّ المشهد، في مدينة حلب. فيما أرسلت هولندا دفعة من صواريخ الباتريوت إلى تركيا. في ريف دمشق، قال المرصد إنّ «مدينتي دوما وداريا في ريف دمشق تعرضتا للقصف من القوات النظامية». كذلك تواصلت المعارك في محيط مدينة المعضمية قرب دمشق، وقتل فيها مقاتلان معارضان. وقتل مقاتلان آخران في بلدة الضمير في ريف دمشق، بحسب المرصد. في غضون ذلك، أفاد المرصد عن وقوع اشتباكات عنيفة عند أطراف مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وأطراف حيّ الحجر الأسود في جنوب العاصمة. في محافظة الرقة، قتل ثلاثة مقاتلين معارضين في اشتباكات مع القوات النظامية في محيط مقرّ «اللواء 93»، في بلدة عين عيسى. في سياق آخر، خرجت عشرات الشاحنات العسكرية من قاعدة بجنوب هولندا، أمس، حاملة صواريخ باتريوت إلى تركيا لحمايتها مما وصفه قائد القوات المسلحة الهولندية، توم ميدندورب، بالتهديد الحقيقي الذي تشكله الصواريخ القادمة من سوريا.
(أ ف ب، رويترز)