غزّة | هبّت الجماهير الفتحاوية صباح أمس إلى ساحة السرايا في غزة، في مشهد تاريخي لحركة «فتح»، التي تحتفل بالذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقتها، بعدما تمكّنت من حشد أعداد هائلة من مناصريها قدّرها قادتها بالمليون. وتدفق مئات الآلاف من المواطنين عبر الشوارع الرئيسية بمسيرات تحمل رايات الحركة الصفراء، متجهين للاحتفال بحركتهم، بحضور عدد من قياداتها، الذين حضروا من الضفة الغربية لإحيائها. أما الرئيس محمود عباس، فتوجه إلى غزة بكلمة متلفزة، وحياها قائلاً: «سلام عليك يا غزة الحبيبة، سلام عليك يا غزة هاشم، يا حاضنة النضال، على مرّ تاريخه وبمختلف أشكاله، سلام عليك يا غزة، يا من ولدت من رحمها النواة الأولى لحركتكم الرائدة في عام 1957 قبل نحو ثماني سنوات من انطلاقتها في الفاتح من عام 1965. سلام عليك يا غزة، يا مفجرة الانتفاضة الأولى». وقال للجماهير: «سنلتقي بكم قريباً في غزّة». ورفع أنصار الحركة، لأوّل مرّة، رايات الحركة، وحتى صوراً للقيادي الفتحاوي محمد دحلان تجمعه مع الشهيد الراحل ياسر عرفات، وأخرى تجمعه مع الرئيس محمود عباس، تحتها عبارة «اتحادنا قوة»، في إشارة منهم إلى إعادة الوحدة إلى الصف الفتحاوي، وتكون بدايتها من غزّة.
محمد حمدونة (25 عاماً) أتى ليشارك بالانطلاقة، كي يؤكّد للعالم أن الشعب الفلسطيني لا يزال بخير، وأنه قادر على التسامح والتصالح والعيش بأمن وأمان مجتمعي. وقال: «نحن هنا في عرس وطني، عرس الكل الفلسطيني، ففتح تضم الكل الفلسطيني العلماني والمتدين والمسيحي، لذلك نأمل من قادتنا أن يكملوا المسير الذي بدأته فتح الانطلاقة وفتح الرصاصة، وأن يتوحدوا من جديد لتحرير الأرض الفلسطينية من أيدي الاحتلال الإسرائيلي».
ورأى أيمن الطويل (30 عاماً) أن تجمع حشد كبير في هذا المشهد، الذي غاب طويلاً عن الساحة الغزية، ما هو إلا دليل واضح على إرادة الشعب، وهو بمثابة استفتاء حقيقي يطالب بضرورة توحيد الصف الفلسطيني. ورأى أن الفرحة عارمة في القطاع، وأنها ستدوم ما دام الشعب أراد ذلك، وأنه لا توجد قوة على الأرض تستطيع هزم إرادته وتغييرها.
أما أحمد مهنا (23 عاماً) فأتى إلى المهرجان ليؤكد مبايعته لحركته التي نشأ على اسمها وحبها، على حد تعبيره. وأوضح لـ«الأخبار» أنّ هذا الكمّ من المواطنين أكّد تزايد شعبية «فتح» الداخلية، على الرغم من محاولات البعض لإنهائها وتدميرها سياسياً وشعبياً. وقال: «نحن نراهن على أنفسنا قبل قادتنا لإحداث تغيير حقيقي كما فعلت حركتنا العريقة، قبل ثمانية وأربعين عاماً حين أطلقت أول رصاصة تعلن وجود النضال الفلسطيني من أجل استعادة أرضنا التي دنسها الاحتلال واغتصبها». وتوشّح المشاركون في الاحتفال، الذين قُدّر عددهم بمئات الآلاف، الكوفية، ورفعوا رايات «فتح» وردّدوا الأناشيد الثورية والوطنية، فيما شاركت المرأة الفلسطينية بكثافة في الحفل، وجابت مسيرات نسوية شوارع القطاع متجهة إلى مكان المهرجان.
وخرجت أم محمد الهبيل من منزلها باكراً مع جاراتها، كي يشاركن بمسيرة نسوية عفوية. وقالت: «هذا اليوم انتظرناه طويلاً، وها نحن نسير إلى الطريق الذي رسمته لنا ثورتنا العريقة، ولن نتخلى عنها». وتمنت أن يتوحّد الصفّ الفلسطيني، وخصوصاً أنها فقدت اثنين من أبنائها في أحداث الانقسام، وأضافت: «أبنائي ذهبوا فداء للوطن ولست نادمة. أريد أن أرى نتيجة إيجابية لتضحياتهم».
الحاجة زهية النباهين لم تتوقف عن إطلاق الزغاريد والهتافات احتفالاً. قالت لـ«الأخبار»: «جئنا هنا نساء وبنات وشباب، لإيصال رسالة للعالم بأن الشعب الفلسطيني سيظل دوماً حياً ما بقيت حركاته النضالية حية».
قادة الحركة، الذين أتى بعضهم من الضفة الغربية، أكدوا، بدورهم، أن «فتح» أوصلت رسالة واضحة إلى الدول الإقليمية والدولية، بأنها أثبتت وجودها القوي على الأرض، وأنها لم تنته كما يدعي البعض. وقال القيادي في الحركة أسامة القواسمي: «هذه الجماهير الكبيرة هي أكبر دليل على أن «فتح» لا تزال موجودة، ولم تنته رغم كل المحاولات الإسرائيلية لإبادتها وتهديداتها المتواصلة بإنهائها»، مضيفاً: «لا يمكن الحصار المالي الذي تتعرض له أن يجعلها تنصاع للأوامر الأميركية والإسرائيلية بل ستعطيها قوة أكبر للاستمرار بمسيرتها النضالية».
وتابع القواسمي: «الرئيس محمود عباس يعلي صوته دوماً بأن فلسطين فوق الجميع، وأنه لا يوجد فصيل يلغي الآخر، فلا فتح تلغي حماس ولا حماس تلغي فتح، الكل مترابط ومتكامل، ومن هنا تبدأ المصالحة الحقيقية».
ورغم التسهيلات والتنظيمات التي وضعتها الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة عبر نشر عناصرها في الشوارع، لتسهيل سير الفتحاويين إلى أرض السرايا، فإن الازدحام الشديد وتوافد الأعداد الكبيرة للمشاركين انتهى إلى فوضى عارمة. وتدافع عدد كبير من مناصري الحركة إلى المنصة الرئيسية التي يعتليها القادة، وخاصة بعد انتهاء الرئيس الفلسطيني من إلقاء كلمته، ما عطل المعدات اللوجستية الخاصة بالحفل، واستدعى القائمين على المهرجان إلى إلغاء فقرات كانت مقررة، وفي مقدمتها الفقرات الغنائية التي كانت ستقدمها فرقة «العاشقين».
وبحسب نائب المفوض العام للتعبئة والتنظيم في الحركة، يحيى رباح، فإن حركته «ألغت فقرات المهرجان نتيجة للتدافع الشديد بين المواطنين، الذي فاق عددهم المليون تقريباً، ما أدى إلى إغلاق الشوارع الرئيسية المؤدية إلى ساحة السرايا، وهو ما أصاب عدداً لا بأس به بالاختناق، وخاصة بين الأطفال وكبار السن». وأوضح أنّه أُلغيت كافة الفقرات التي تلي كلمة الرئيس الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية، نبيل شعث، رغم أنه كان مقرراً أن يستمر المهرجان حتى الساعة الرابعة عصراً. وقال إن «الإشكالية الأكبر كانت في ضيق المساحة، حيث يقدر خبراؤها أنها تتسع لـ 200 ألف مواطن إن وضعت الكراسي، ولكننا فضلنا عدم وضعها لتتسع، ولكن رغم ذلك زاد العدد كثيراً»، مشيراً إلى أن الإلغاء جاء حفاظاً على سلامة المواطنين، وخاصة أن عدداً كبيراً تدافع نحو المنصة وسقط جرحى بسبب ذلك.
وأكدت مصادر سقوط عدد كبير من الجرحى نتيجة التدافع، قارب خمسين جريحاً. فيما أعلن المتحدث باسم حركة «حماس»، سامي أبو زهري، أن «فتح» طلبت منهم عدم الحضور إلى المهرجان بسبب الفوضى العارمة التي سادت المكان.
رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، أكد، من جهته، أنه تلقى اتصالاً من قادة «فتح» تشكره على الجهود والروح التى أبدتها الحكومة وحركة «حماس» بغزة لتسهيل احتفال الانطلاقة. فيما أعلن المتحدث الإعلامي باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني الرائد إسلام شهوان، أن مهرجان الانطلاقة في ساحة السرايا وسط غزة مرّ بسلام.
وأثار مجيء بعض القيادات الفتحاوية من الضفة إلى القطاع لحضور المهرجان حفيظة بعض الحمساويين، وهو ما استدعى القيادي الحمساوي عزت الرشق للتعليق على صفحته على «فايسبوك» بالقول: «قام الأخ جبريل الرجوب خلال الأيام الماضية بزيارة غزة والتقى مع قيادات حماس. بعض أبنائنا من الشباب تذمروا وانتقدوا الزيارة. كذلك اعترضوا على استقبال قيادات الحركة له... وانتقدوا بشدة جبريل الرجوب. يا أحبابنا. يا شباب حماس. ويا كل أبناء شعبنا. اليوم نحن نعيش أجواء الوحدة الوطنية والانتصار العظيم في معركة حجارة السجيل، ومعنيون بكل قوة بإنجاز المصالحة وتوحيد شعبنا، وعدم نكء الجراح، رغم مرارتها. لكن في سبيل فلسطين والوحدة الوطنية. هي غزة التسامح والوحدة الوطنية والأم الطيبة؛ فأهلاً بأبي رامي، وأهلاً بالأخ الرئيس أبو مازن بين أهله في غزة».
وعلى الرغم من إلغاء الفعاليات، إلا أنّ المشاركين بالمهرجان شكّلوا مجموعات، تمركزت كل واحدة منها في مساحة معينة من الأرض، وراحوا يحتفلون على طريقتهم. وأخذ الشاب محمد طبيل (25 عاماً) ينشد الأغاني الثورية التابعة لـ«فتح»، وهو يتوسط مجموعة التفت حوله تناهز الخمسين مواطناً. وقال طبيل: «لن نسمح لهذا اليوم التاريخي بأن يمر من دون أن نعطي حركتنا حقها الكامل؛ فهي دائما ستبقى في قلوبنا وتاريخنا».
وعادت فرقة «العاشقين» لتقدم بعد ساعتين من إلغاء باقي فقرات المهرجان فقرتين فنيتين، من أناشيدها الوطنية، رغم الخلل الفني في أجهزة الصوت، وانعدام الإضاءة. ويتوقع أن تحيي سلسلة فعاليات خلال الأيام القادمة.



إسرائيل مصدومة

عبّرت مصادر أمنية وسياسية إسرائيلية عن صدمتها ودهشتها من التأييد الكبير الذي ظهر أمس، في قطاع غزة لحركة «فتح» عبر مهرجانها المركزي الكبير الذي احتشد به مئات آلاف الفلسطينيين.
ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن تلك المصادر قولها إن الحديث عن غزة كقاعدة للإرهاب أصبح غير ذي معنى، حيث يؤيد معظم السكان الحركة التي تخوض مفاوضات مع إسرائيل والتي وقعت اتفاق سلام معها. وأضافت المصادر أن الحديث الذي يردده الساسة في القدس المحتلة بأن عباس لا يمثل نصف الشعب الفلسطيني سقط في شوارع غزة. فيما عبرت المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية عن قلقها من تطور التعاون بين «حماس» و«فتح» في مجالات أخرى، في ظل تقليص رام الله التعاون الأمني مع جيش الاحتلال وإطلاق معظم معتقلي «حماس» في الضفة.