القاهرة | كان التحالف بين الدكتور عماد عبد الغفور، مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الحوار المجتمعي ووكيل مؤسسي حزب الوطن، مع الشيخ حازم أبو إسماعيل، أحد المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية لافتاً للنظر. فالأول عُرف عنه الهدوء وعدم الدخول في مواجهات ذات طابع حاد، وميله لعدم إقحام الدعوي مع السياسي، فضلاً عن التمسك بالشريعة والمرجعية الإسلامية. في المقابل، يعرف عن الثاني المراوغة السياسية مع نبرة حادة وقدرة على حشد الكثير ممن يتسمون بالثورية، والتمسك بالتطبيق الكامل للشريعة بشكل سريع وصارم، كالجبهة السلفية والشباب غير المنتمي للتنظيمات المحدودة وبعض بقايا الجهاديين، وهؤلاء ممن عرفوا اصطلاحاً مؤخراً بـ«السلفيين الثوريين»، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام تكهنات عديدة حول طبيعة هذا التحالف.فبعض الترجيحات رأت في دعم التحالف من قبل الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في القاهرة، التي تضم القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، على أنه رغبة من الإخوان في إضعاف حزب النور للحد من قدرته على منافستهم في الانتخابات المقبلة، بل والحد من خياراته في التحالف أو التنسيق مع احد غير الإخوان. إلا أن هذا الترجيح يعد الأضعف، مقابل ترجيحات أخرى اعتمدت على تسريبات من حركة «حازمون» وبعض نشطائها القريبين من أبو إسماعيل. وذهبت هذه التسريبات إلى أن أبو إسماعيل لن ينشئ حزباً في الوقت الحالي كما هو مشاع، ومن ثم فوجود غطاء سياسي له ممثلاً في الوطن وفي التحالف الذي يدعمه أمر محمود، بينما يرى حزب الوطن أنه لم يكن يستطيع أن يحصل على وزن كبير بسرعة في خريطة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلا بوجود زخم شعبي كبير، ولذلك عند البحث وجد ضالته في أبو إسماعيل. كما نجح الوطن في إدخال أبو إسماعيل في المعادلة مع إبقائه خارج الحزب بما يضمن عدم التأثر بمواقفه الصارمة أو الراديكالية في المجال السياسي والمجتمعي العام. يضاف إلى ذلك أن من بين الداعمين في الهيئة الشرعية، الشيخ سعيد عبد العظيم، الرمز والقيادي التاريخي في الدعوة السلفية، ما يقلل من احتمالية وجود «فخ» إخواني، وإن كان يظل تأسيس حزب الوطن من رحم قيادات وفاعلي شباب الدعوة السلفية وحزب النور يصب في صالح جماعة الإخوان التي ترغب أن تكون الرقم الأكبر في المعادلة السياسية مع الإمساك بكل الخيوط، في ظل رغبة لها بأن تخوض الانتخابات بتنسيق وتحالف ضيق مع غيرها.


الائتلاف الوطني الحر

على الرغم من عدم إعلان عبد الغفور أو أبو إسماعيل أي تفاصيل تخص تحالفهما، إلا أن غياب ممثل عن جماعة الإخوان المسلمين وممثلين عن القوى اليسارية والليبرالية وحضور الأحزاب والقوى الصغيرة وغير المنظمة من القوى الإسلامية، ما عدا حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، في المؤتمر، شكل مؤشراً هاماً للشكل الذي يمكن أن يسير عليه التحالف. فأحزاب مثل الأصالة والشعب والفضيلة والعمل هي أحزاب لها مرجعيات كبيرة كمجدي حسين والشيخ محمد عبد المقصود، لكنها لا تمتلك سنداً شعبياً أو تمويلاً قوياً لها. وتحمل هذه الأحزاب مفاهيم ورؤية قريبة من الشيخ أبو إسماعيل، ومن ثم فإن سعيها لدخول التحالف يضمن لها ما ينقصها. وفي نفس الوقت يضمن لأبو إسماعيل عدم الدخول في تحالف يرهقه مع أحزاب كبيرة تخطف منه زمام الأمور. وهو ما أكدته مصادر قريبة الصلة من أبو إسماعيل لـ«الأخبار»، بإشارتها إلى أنه لن يدخل إلى الائتلاف أي من الكيانات الكبرى كالنور أو البناء والتنمية أو جماعة الإخوان، أو غيرها من الأحزاب الليبرالية أو اليسارية.
وكان عبد الغفور واقعياً في تصريحاته لـ«الأخبار» عقب المؤتمر، حين قال «وجهنا دعوات حضور المؤتمر للجميع، لكن البعض اعتذر والبعض انشغل»، مؤكداً «أن جماعة الإخوان ترى نفسها الأب الأكبر للحركات الإسلامية ومن ثم يجب أن تكون هي الداعية وليست المدعوة». كما شدد على أن التركيز سيكون في التحالف مع الأحزاب الصغيرة والكتل المبتدئة ذات المرجعية الإسلامية، لافتاً إلى أهمية الحوار مع مختلف القوى «ما دام صالح مصر هو الهدف».
أما علاء أبو النصر، الأمين العام لحزب البناء والتنمية، فأكد لـ«الأخبار» أن الحزب يجري استبياناً ويعد دراسة عن قوة وسيطرة كل القوى السياسية ليحدد مع من سينسق ومع من سيتحالف.


ممنوع الفلول

ربما كانت أحزاب «الوسط» و«الإصلاح والنهضة» و«مصر القوية»، ذات المرجعية الإسلامية في تأسيسها أو ملمحها، التي لم تعلن عن الالتزام بالتحالف مع الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية فقط، بل أعلنت جميعها عن استعدادها للتحالف مع كيانات أخرى إن لزم الأمر شريطة عدم وجود «فلول». وفيما يمكن استنتاج استبعاد هذه الأحزاب التحالف مع جماعة الإخوان أو حزب النور، أكد القيادي في حزب «الوسط» طارق قريطم لـ«الأخبار» أن «فكرة المرجعية ليست ملزمة لنا، فمن سيضع نصب عينه مصر سنتحالف معه». ووصف تجربة الوسط السابقة بأنها كانت «محزنة في السعي للتنسيق والتحالف مع الأحزاب الأخرى وهو ما لم يحصل»، في إشارة إلى أن التحالفات جميعها تمت من خلال النور والحرية والعدالة.
أما الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح والنهضة، عمرو نبيل، فلفت إلى أن الحزب قرر التواصل مع الأحزاب التي تمثل «الوسطية السياسية» من قبيل «مصر القوية والوسط وغد الثورة والحضارة». ولفت إلى أن الحزب يرفض التواصل مع الأحزاب التي تؤصل للاستقطاب السياسي، لأن منهج الحزب يقوم على الحوار والتوافق، مشدداً على أن المشكلة الرئيسية التي قد تواجه تلك الأحزاب الثلاثة، في التحالف مع الأحزاب المدنية «وجود فلول على قوائم مرشحيها في دوائر التنسيق أو التحالف».
أما حزب مصر القوية فمن المستبعد أن يتحالف مع أحزاب غير وسطية أو مع جماعة الإخوان، نظراً للخصام المعروف بين عبد المنعم أبو الفتوح وجماعته السابقة، ولعدم قبول القواعد السلفية بمنهج حزبه، ما يرجح تحالفه مع أحزاب الوسط أو الإصلاح والنهضة أو التنسيق مع الأحزاب غير ذات المرجعية الإسلامية.


الإخوان والدعوة السلفية

كانت تجربة «الإخوان المسلمين» وحزبها الحرية والعدالة طوال العام الماضي والحروب التي خاضتها على كافة الجبهات نتيجة حالة الاستقطاب التي سادت المجتمع وأثرت على شعبيتها، كفيلة بأن تجعل الأصوات داخلها ترتفع لخوض الجماعة الانتخابات بمفردها على جميع المقاعد. لكن القيادي البارز في الجماعة علي عبد الفتاح، أوضح لـ«الأخبار» أن «فكرة منافسة الإخوان بمفردهم على جميع المقاعد أمر مستبعد لحتمية التنسيق مع بعض رموز التيار الإسلامي لمواجهة التيار العلماني، كالجماعة الإسلامية».
وكشف أن التيار الإسلامي يسعى إلى الاستحواذ على مقاعد تتخطى حاجز الثلثين في البرلمان المقبل، ملمحاً إلى وجود اتجاه كبير إلى أن «تشكل القوائم من دون تحالفات وإن كانت ستضم أفراداً من خارج الإخوان». وشدد على أن قانون الانتخابات هو ما سيحدد شكل التحالفات، الأمر الذي قد يستغرق قرابة شهرين، مبيناً أن الشباب والأقباط والمرأة سيكون لهم نصيب هام في مرشحي الجماعة.
ورغم أن التسريبات من داخل الجماعة تفيد بأن قيادات الجماعة تفضل التنسيق على المقاعد الفردية مع حزب النور وليس الوطن، إلا أن قواعد الجماعة تتحفظ على أي تنسيق أو تحالف مع النور بسبب ما جرى في الانتخابات الماضية وبسبب الصراع التاريخي بينهما.
على الجانب الآخر، يبدو أن الدعوة السلفية وحزبها النور مقدمون على معركة ستكون أكثر شراسة، نظراً للرصيد الذي سيسحبه عبد الغفور وأبو إسماعيل من أصحاب المنهج السلفي، فضلاً عن المنافسة مع الإخوان. وهي أمور تأتي في سياق تصريحات وصفت بالمتخبطة للشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، الأمر الذي أثر في شعبية التيار السلفي بنسبة غير قليلة. وكشفت مصادر وثيقة الصلة بقيادات الفضائيات الإسلامية لـ«الأخبار» أن برهامي يسعى لجعل هذه الفضائيات جميعها تتبنى الحملة الإعلانية الخاصة بالحزب في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن اتجاه «النور» إلى عدم الدخول في تحالف مع أي من القوى السياسية مع السعي إلى التنسيق مع الحرية والعدالة أو الجماعة الإسلامية. والأخيرة هي الأقرب للنور نظراً لتقارب المناهج وللتحالف السابق بينهما في الانتخابات الماضية.



المقاعد الفردية معضلة الإسلاميين

إذا كانت مشكلة التيار الليبرالي واليساري الكبرى هي استبعاد الفلول من صفوفهم لإحداث التوافق بينهما، فإن مشكلة المقاعد الفردية ستكون المعضلة الأكبر للإسلاميين، في ظل رغبة لديهم في السيطرة على أكثر من ثلثي المجلس بالرغم من حالة الاستقطاب بين الإسلاميين. ووفقاً لعلاء أبو النصر (الصورة)، القيادي في البناء والتنمية، فإن «وجود قوائم متعددة للحركات الإسلامية لن يضر، لكن المشكلة ستكون في المقاعد الفردية التي لم يظهر لها حل واضح حتى الآن».
إلى ذلك، اتهم الأمين العام للحزب المصري الديموقراطي أحمد فوزي، الإخوان والسلفيين بأنهم جهزوا قانون انتخابات مُعد مسبقاً بترسيم دوائر يخدم مصالحهم، مشيراً إلى أنه مع وجود لجنة انتخابات بنفس التشكيل القديم وبنسبة الثلثين للقائمة والثلث الفردي لم يعد يجدي اجراء أي تعديلات.