القاهرة | لم تأمن الحركة العمالية والاجتماعية في مصر «شرّ» القبضة الأمنية، بل كانت في صدارة المستهدفين في إطار الهجوم «الضاري» على الحريات. فكما تشير تقارير حقوقية، تعرّض العمال المحتجّون، خلال الأشهر الأخيرة، للاستهداف بطلقات الخرطوش والاعتقال والتعذيب، فضلاً عن مصادرة حقهم في التظاهر، وذلك لمنعهم من الاحتجاج على تردّي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار، وغيرها من الحقوق التي شاركوا من أجلها في الانتفاضات الشعبية التي شهدتها مصر.

وبرغم أن سياسة القبضة الأمنية نجحت في إشاعة الخوف في قطاعات جماهيرية وعمالية واسعة، فقد رصد «منتدى المحروسة للبحوث والسياسات العامة» تنظيم 1956 احتجاجاً عمالياً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2014. وأكد التقرير أنه خلال الأشهر التسعة، كانت الاحتجاجات العمالية بين الصعود والهدوء الملحوظ في عددها، كما اختلفت بين المحافظات والقطاعات المستهدفة، وكذلك في أسباب الاحتجاج من شهر إلى شهر. وأشار تقرير المنتدى إلى أن التوقيت كان يؤدي دوراً مهماً في صعود أو الاحتجاجات العمالية هدوئها.
ووفقاً لقانون التظاهر، لا تسمح السلطات المصرية بتجمهر الناس إلا بعد الحصول على تصريح، بات من «سابع المستحيلات»، كما يقول العامل غنيم، الذي لجأ إلى وكيل النيابة للحصول على ترخيص، لكنه لم يجن إلا الرفض، بحجة أن «البلد لا تتحمّل ذلك، والاحتجاج لا يأتي بنتيجة».
يشار إلى أن هناك نحو 6 آلاف يعملون في 26 جهازاً يخشون من عدم تثبيتهم، وخصوصاً في ظل إشاعة خبر مفاده أنهم سيدرجون في تبعيّة شركة قابضة للعمالة، ما يعني حرمانهم التعيين الحكومي. لكن الهجوم على العمال ليس جديداً، بل يعود إلى الشهر الذي تلا إزاحة الرئيس المعزول، حسني مبارك، حينما أُصدرت مجموعة من القوانين التي تُجَرّم الإضراب والاعتصام، بدءاً من القانون 34 لعام 2011، مروراً بقانون تجريم التظاهر والاعتصام والإضراب، وانتهاءً بقانون تأمين وحماية المنشآت العامة (رقم 136 الصادر في يوم 27 تشرين الأول 2014)، الذي جعل الطرق والكباري منشآت استراتيجية، من يقرب منها يحاكم محاكمة عسكرية.
في هذا الإطار، تقول الباحثة في شؤون العمال، فاطمة رمضان، إنه «لمّا كان كل ما سبق غير كافٍ لإسكات العمال وإيقافهم عن المطالبة بحقوقهم، وصل الأمر إلى حدّ عسكرة المصانع والشركات». ويضاف إليه امتناع الحكومات المتعاقبة عن إصدار قوانين مهمة بالنسبة إلى العمال، مثل قانون الحريات النقابية، وقانون عادل للعمل، وحتى قانون ينص على الحد الأدنى الحقيقي للأجور يطبق على جميع عمال مصر في القطاعات العامة والخاصة كافة.
وإذا كان الرأي العام يتابع محاكمات «شباب الثورة» وأعضاء «الإخوان المسلمون»، يومياً نتيجة الاهتمام الإعلامي الضخم بذلك، فإن العمّال يدفعون ثمن مقاومتهم الظلم الاجتماعي والفساد من دون أن يسمع بهم أحد. ففي شركة «لينين غروب»، في محافظة الإسكندرية، مثلاً، تعرّض العامل محمد السيد للتعذيب من ضباط الشرطة تحت إشراف صاحب المصنع، بدعوى إنشاء صفحة على «فايسبوك» تنتقد سياسة الشركة.
اللافت في الموضوع، كما يقول محمد، مسارعة المحكمة إلى الحكم على العمّال وتغريمهم بتهمة الإساءة إلى صاحب المصنع، فيما لم ينظر في البلاغات التي تقدّم بها العامل إلى المحامي العام والجهات المختصة، بشأن تعرّضه للتعذيب إلى درجة كسر أحد ضلوعه.
في السياق، ألقي القبض على القيادي العمالي في ميناء القاهرة الجوي، محمود ريحان، خلال الشهر الماضي، بتهمة إهانة رئيس الجمهورية على «فايسبوك». وبعد تحويله إلى المحاكمة إثر احتجاز دام شهرين، خرج لعدم وجود ما يدينه. يقول سليمان، إن القبضة الأمنية اشتدت بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، فعادت «الأجهزة الأمنية لتتحكم في الأمور وتضطهد النقابيين، وبات تحويل القيادات العمالية إلى المحاكمة بتهم فضفاضة، سياسة روتينية ومنهجية للتنكيل بالنقاببين».
ومن أكثر الأمور فظاظة ووحشية إطلاق النار الحيّ على العمال عندما كانوا يقفون عُزّلاً أمام شركاتهم للمطالبة بحقهم في الأجر الكامل. هذا ما حدث مع عمال الغزل في الإسكندرية، الذين تعرّضوا بعدها للضغوط، كي لا يقدموا بلاغات ضد الضباط الذين ارتكبوا هذه الجريمة بحقهم، مقابل عدم تقديمهم إلى المحاكمة بتهمة التظاهر من دون ترخيص.