لا تزال فضيحة الفساد الكبيرة، التي تمّ الكشف عنها خلال الأسبوع الماضي، ويشكّل حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يترأسه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان محورها، تعصف بإسرائيل، إذ تبين التقارير الإعلامية الإسرائيلية أن الشرطة اعتقلت، حتى الآن، أكثر من 30 شخصاً على علاقة بصورة أو بأخرى بالفضيحة. ووفق صحيفة «هآرتس»، ستنفذ الشرطة في الأيام القريبة اعتقالات إضافية بحق شخصيّات مسؤولة في الجهاز العام، ومسؤولين في منظمات وجمعيات.
ما يضفي على هذا الكشف أبعاداً ومفاعيل إضافية كونه يأتي في ذروة الحملة الانتخابية، إذ قد يكون للفضيحة دور في تحجيم حزب «إسرائيل بيتنا»، وصولاً إلى تحديد المستقبل السياسي لليبرمان، لا بلورة معادلات وموازين قوى جديدة داخل معسكر اليمين. المؤشرات على مفاعيل الفضيحة وتأثيرها في مكانة «إسرائيل بيتنا» لم تنتظر طويلاً، فبدا من استطلاعات الرأي الأخيرة أنّ ليبرمان تلقّى ضربة قاسية، بعدما هبط من 13 مقعداً يملكها في الكنيست الحالي إلى خمسة مقاعد، كما توقعت له آخر استطلاعات رأي. وفي حال استمرّ هذا المسار، فإنّه سيؤدي إلى تهميش الدور السياسي لوزير الخارجية وحزبه.
وتعود أهمية التداعيات السياسية الداخلية لتحجيم حزب ليبرمان إلى أنّ موقفه كان يفترض أن يشكّل عاملاً مرجّحاً في تسمية رئيس الحكومة المقبل، إلى جانب حزب موشيه كحلون «كولانو». أما الآن، فبات الغموض هو المهيمن، بانتظار ما ستؤول إليه هذه القضية ريثما يحين موعد الانتخابات، وعلى ضوئها سيحدّد الناخب الإسرائيلي موقفه.
وعلى قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، لقيت المعلومات التي انتشرت حول فضيحة الفساد الأخيرة، وإمكانية أن تطال بامتداداتها شخص ليبرمان، ارتياحاً في معسكر اليمين، وخاصّة أن تقديرات المحللين ترجّح أن يؤدّي إضعاف ليبرمان إلى تعزيز مكانة نتنياهو و(نفتالي) بينيت، انطلاقاً من أن جمهوره ينتمي إلى معسكر اليمين، وهكذا ستكون وجهة تصويته أحزاب يمينية بديلة.
بناءً على ذلك، وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإنه سينعكس سلبياً على رهانات الثنائي، (يتسحاق) هرتسوغ ـ (تسيبي) ليفني، ويعزّز فرص بنيامين نتنياهو، المرجّحة أصلاً، في تولّيه رئاسة الحكومة المقبلة. مع هذا، تنبغي الإشارة إلى أن هذه الفضيحة، والصدى الذي تركته في الرأي العام، تزامنا مع محاولة ليبرمان تقديم خيارات ومواقف سياسية مُحدَّثة تتصل بعملية التسوية، وضرورة تقديم مبادرة سياسية إسرائيلية، وخاصّة بعدما كان معروفاً بمواقف أكثر تطرفاً إزاء عملية التسوية، وموقفه من الفلسطينيين.
في سياق متصل، كشفت تقارير إعلامية عبرية أن التحقيق في قضية (الفساد ـ الفضيحة) سيتسع ليشمل عدداً من الوزارات التي يسيطر عليها حزب «إسرائيل بيتنا». ونقلت مصادر مطلعة أنه لا توجد مؤشرات على أن ليبرمان متورّط في هذه الشبهات، مع أنّ عدداً كبيراً من المشتبه فيهم في القضية هم أعضاء رفيعو المستوى في «إسرائيل بيتنا»، ومن بينهم مساعدة وزير الداخلية، فاينا كيرشنباوم، إلى جانب ابنتها رانيت.
ويشتبه المحققون في أنه تمّ تحويل مبالغ كبيرة من الأموال إلى منظمات غير حكومية، ومجموعات أخرى متنوعة بطريقة غير مشروعة. في المقابل، عيّنت المنظمات مقربين، وأرجعت بعض المبالغ المالية على شكل رشى نقدية وفوائد إلى مسؤولين حكوميين. وقالت الشرطة، في بيان لها، إن «التحقيق السرّي كشف طريقة قام بها المشتبه فيهم وممثلوهم، مستخدمين سلطتهم كمسؤولين حكوميين، بتحويل مبالغ كبيرة من الأموال العامة إلى عدد من الهيئات والسلطات، مقابل مزايا كبيرة لهم ولشركائهم، بما في ذلك تعيينات ودفعات».
يُشار إلى أن هذه ليست أولى فضائح هذا الحزب، إذ سبق أن تعرّض رئيسه، أفيغدور ليبرمان، لتحقيقات حول تورّطه في قضايا فساد منذ 17 عاماً. وكان آخر اتهام وُجّه إليه في شهر كانون الثاني 2012، أي قبل ستة أسابيع من انتخابات عام 2013، ما أجبره على الاستقالة من منصبه في الخارجية. لكنه بعد عام واحد فقط، حصل على البراءة من جميع التّهم الموجّهة ضده، وعاد إلى منصبه بصفته الدبلوماسي الرئيسي في إسرائيل.