رفح | تختلط أصوات التفجيرات في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، على أسماع الغزيين، إذ تبدو للحظة الأولى ناتجةً من عمليات نسف للمنازل في الجانب المصري ضمن خطة إقامة منطقة عازلة مع القطاع، لكنها في الليل تصير أقرب. وتحديداً حينما تتشابك أصوات الرصاص مع الانفجارات، يتأكد الناس أن هذه تدريبات تجريها فصائل المقاومة الفلسطينية، لتخريج دورات جديدة أو تجربة سلاح ما. ومهما كان سبب الأصوات القوية، فالمتفق عليه بينهم أنه أمر اعتادوا سماعه يومياً.
ليست أصوات الانفجارات هي المعتادة فحسب، فكل يوم يسمع أهل غزة في النشرات الإذاعية الأخبار المنقولة عن القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، التي لا تزال تهدد القطاع بحرب جديدة وشرسة. في مقابل ذلك، لا يعرف الأهالي أن المقاومة تواصل تحضيراتها على قدم وساق لما يحيط بهذه الاستعدادات من سرية.
وأخيراً، خرّجت غالبية الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، آلاف الشباب الذين تحفزوا للالتحاق بها، وخاصة بعد الإنجاز الميداني الذي حققته في الحرب الأخيرة. لكن مصادر ميدانية، تحدثت لـ«الأخبار»، تقول إن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو قلة الإمدادات العسكرية بعد الحملة المصرية المشددة في سيناء، ما أثر في طبيعة التدريب العسكري، بل قلل العتاد المستخدم في التدريب.
رغم ذلك، يقول المتحدث باسم كتائب شهداء الأقصى ـ لواء العامودي (فتح)، أبو صقر، إنهم خرجوا من معركة يرونها «الأطول خلال الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بعد حصار بيروت عام 1982». لهذا السبب، يرى أبو صقر أنهم تعلموا دروساً كثيرة من الحرب، أهمها «استمرارية القتال حتى آخر لحظة في المعركة». ويفيد المتحدث العسكري بأنهم عملوا على تدريب 500 مقاتل في مناطق قطاع غزة، ولا يزال «باب التجنيد مفتوحاً لمن يرغب في الانضمام». ومع أنه لم ينكر تأثرهم بتدمير خطوط الدعم والإمداد، فإنه أكد أنه خلال الحرب نفسها «كان الدعم العسكري يصل إلى غزة، وهو لم ينقطع بعد المعركة أيضاً».
الرؤية نفسها يحملها المتحدث العسكري باسم كتائب القسام في رفح (حماس)، أبو يوسف، الذي قال إن من حق «أصحاب المشروع المقاوم أن يوفر كل المقومات اللازمة من الداخل أو الخارج... أيضاً لسنا على عداء مع مصر». ويوضح أبو يوسف أنهم لا يعتمدون حصراً على الأنفاق المصرية ـ الفلسطينية في توفير العتاد، بل «لنا سبل أخرى غير الأنفاق يمكن أن نؤمن عبرها ما نحتاجه»، في إشارة إلى البحر. لكن المتحدث العسكري في «القسام»، أكد أن «حماس حركة مقاومة شرعية من حقها استخدام كل الطرق لنقل السلاح دون المساس بأمن أي بلد شقيق»، مضيفاً أن «العمل المقاوم تطور كثيراً عمّا قبل، وصرنا نعتمد على الاكتفاء الذاتي عبر خبرات وإمكانات الجهاز العسكري».
وقبل نحو أسبوع، استشهد شاب عشريني يدعى بلال المنيراوي من «القسام» وأصيب أربعة آخرون خلال «حادث عرضي» داخل أحد مواقع التدريب التابعة للكتائب في رفح. ويدرج أبو يوسف استشهاد هذا الشاب ضمن إطار معركة «الاستعداد» لأي مواجهة مقبلة، قائلاً إن خوضهم ثلاث حروب في ست سنوات دلالة على أن أي حرب مقبلة ستكون قريبة، خاصة أن «الحصار لم يرفع، ولم يبدأ الإعمار، لكن القادة السياسيين أقدر على تقدير الموقف، فيما علينا الاستعداد».
التشديد على تهريب الإمدادات يجبر المقاومة على الاقتصاد بالذخيرة

على خط مواز، نظمت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، حفلاً لتخريج فوج جديد من مقاتلين التحقوا حديثاً بصفوف السرايا، كذلك نفذت قبل نحو أسبوعين مناورة بالذخيرة الحية حاكت فيها حدوث معركة كبيرة مع العدو باستخدام الصواريخ الموجهة وقذائف الهاون.
في المقابل، تتواصل شكاوى المستوطنين الإسرائيليين ممن يعيشون حول غزة بسبب هذه التدريبات، إذ نقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» عن مستوطنين قرب شمال القطاع، شكواهم قبل أيام، من عجزهم عن النوم بسبب التمرينات العسكرية للمقاومة، وتحديداً على أنقاض مستوطنة «دوغيت». ويقول المستوطنون إن أصوات إطلاق النار والتفجيرات تستمر من منتصف الليل حتى الصباح، بل اشتكوا من أنهم يسمعون «صليات نارية جنونية تختلف عن المرات السابقة»، ما يعيدهم إلى سيناريو الحرب الماضية.
أما موقع «0404» المقرب من جيش الاحتلال، فقال إن الجيش اكتفى بمراقبة هذه المناورات، مع أنها أحدثت رعباً كبيراً بين المستوطنين. كذلك، أعرب مستوطنو كيبوتس «نتيف هعسراه»، القريب من القطاع، عن قلقهم وخوفهم من أعمال حفر بواسطة معدات ثقيلة، وعلى مسافة لا تزيد على 500 متر من الحدود. وقال المستوطنون إن المسلحين الفلسطينيين أقاموا تلالاً رملية على بعد 200 متر من الحدود، ورفعوا عليها راياتهم.
في التعقيب على ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي، حسن عبده، أنه «لا يمكن تفسير ما يجري في غزة على أنه أمر اعتيادي، وخصوصاً مع استمرار الحصار الإسرائيلي والتعنت في إدخال مواد البناء». وقال عبده لـ«الأخبار»: «هذه التجارب الصاروخية والتدريبات والعروض التي تجريها المقاومة تحمل في طياتها رسالة إنذار إلى الاحتلال».
وكان موقع «المجد الأمني» التابع لحركة «حماس»، قد قال إن المقاومة ألقت القبض على عميل للاحتلال كانت مهمته متابعة الأسلحة التي عرضتها كتائب القسام في ذكرى انطلاقة «حماس» قبل أسبوعين. ونقل «المجد» عن مصادر أمنية أن اعترافات العميل تشير إلى أن تكليفه كان «متابعة أين ستذهب الأسلحة التي كشفت عنها القسام وأين سيجري إخفاؤها، وخاصة طائرة الاستطلاع (أبابيل)، بالإضافة إلى تسجيل علامات فارقة على السيارات التي حملت المقاتلين».