غزة | بعد إنكار شديد لتفاصيل العلاقة بين القيادي المفصول من حركة «فتح» و«حماس»، ليس ثمّة حاجة إلى سرد دلائل كثيرة على مظاهر «الميكافيلية الحمساوية». فقد انعتق مبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة» من صندوق المصالح الخاصة بالحركة. وما كان في الأمس القريب ممنوعاً صار اليوم مقبولاً، وخاصة إن كانت العلاقة ستستثمر لابتزاز رئيس السلطة محمود عباس. في غزّة التي لم تُشفَ بعد من آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة، تمخّض الجبل فولد «دحلاناً». وأخيراً، نجح القيادي المفصول في مقايضة «حماس» التي سالت دماء أبنائها في أقبية التعذيب الخاصة بجهاز «الأمن الوقائي» الذي كان الرأس الأكبر فيه. تلك المقايضة مدفوعة بفكرتين متوازيتين، الأولى «التنفيس» عن القطاع المحاصر عبر تدفق الأموال من «الصنبور» الإماراتي الثمين، والثانية القفز عن سور المصالحة مع «فتح» بقيادة «أبو مازن»، والعزف على خصومته النارية مع دحلان.
وعلى طريقة «تنويم» أهالي القطاع بالمال السياسي المصلحي، أعلنت «اللجنة الوطنية للتكافل الاجتماعي»، المشحونة بالدعم الإماراتي والمدمغة بتوقيع التيار الدحلاني، أول من أمس، بدء صرف المساعدات النقديّة لجرحى الحرب الأخيرة وأهالي شهدائها. صحيحٌ أنّ هذه اللجنة التي تضمّ الفصائل الرئيسية الخمسة (حماس، وفتح، والجهاد الإسلامي، والجبهتان الشعبية والديموقراطية)، ليست حديثة الميلاد والأنشطة، لكنّ الإفصاح العلني عن «التكرّم الطائي» على الجرحى وأهالي الشهداء في توقيتٍ حساس يعصف بـ«فتح» المقبلة على المؤتمر العام السابع لها، يضع المصالحة بينها وبين «حماس» على المحك، كما يفتح الباب أمام سيل من تساؤلات الغزيين عن ماهية التضافر الحمساوي الدحلاني.
في المحصلة، هناك مشهد سريالي يضرب غزة؛ فمن فرّ من القطاع إبّان الانقسام الفلسطيني عام 2007 يجلس الآن على مائدة واحدة بجانب قيادات حمساوية توعّدها دحلان مراراً بـ«إرقاصها خمسة بلدي». «نبوءة الرقص» هذه تحقّقت فعلياً، وإن كانت مغلّفة بنفحة إيجابية مرتبطة بمحاولة فكّ العزلة السياسية والمالية عن غزة. ومن يقرأ دلالات هذه السياسة، سيخرج جازماً بإجادة «حماس» اللعب على حبال المناكفات السياسية، والنزول عند رغبات «البطل المخلّص».
ستوزّع ملايين الدولارات على عائلات الجرحى والشهداء بتمويل إماراتي

لم تشترِ الحركة الودّ الدحلاني من قبل كما تفعل في مثل هذه الأيام. فقد أطلقت الصفارة العلنية للتشبيك مع دحلان بدءاً بإفساح المجال لجماعته بتنظيم مهرجان فتحاوي في مركز رشاد الشوا في غزّة قبل أسابيع قليلة، بغية مبايعة «الزعيم» والنيل من «أبو مازن»، ثم جاء فتح الميادين والشوارع أمامهم لتجديد البيعة لقائدهم، وليس انتهاءً بالمبالغ المالية الطائلة التي «ستتنعّم» بها الفئات المنكوبة بفعل الحرب الأخيرة.
وكان النائب أشرف جمعة، المحسوب على التيار الدحلاني، قد أعلن أن «اللجنة الوطنية للتكافل الاجتماعي» بدأت المرحلة الأولى من التعويضات المالية للجرحى، إذ ستدفع 1500 دولار لكل مصاب بحالة بالغة (982 جريحاً)، و700 دولار للمصابين بحالات متوسطة (٢٥٦٣ شخصاً)، و500 دولار لذوي الحالات الطفيفة (5820)، فيما ستصرف مبلغاً «مجزياً» (نحو 5 آلاف دولار) لذوي الشهداء، وذلك بعد الانتهاء من عملية التدقيق في كشوف أسمائهم. ولم يفت إعلان اللجنة أن يوجه الشكر إلى دولة الإمارات وأميرها، خليفة بن زايد، على هذا الدعم.
في المقابل، باشرت قيادات حمساوية مرحلة المفاضلة بين شخصيتين طالما وجّهتا طعنات قاتلة في خاصرة القطاع. فما كان أشبه بـ«التابوهات» عند الحركة استحال اليوم «ورقة حلال» تستدعي مرحلة الحصار الخانق على القطاع شهرها في وجه «الخصم». وتحاجج هذه القيادات، بجانب جماهيرها، عن تلك المصلحة المشتركة، باستحالة رفضها كلّ ما من شأنه أن يفرّج «كروب» الغزيين بعد أربعة أشهر من «خواء اليد». هنا يحاول النائب الحمساوي، إسماعيل الأشقر، وهو مسؤول الملف المالي في اللجنة، رفع الاتهامات عن حركته. يقول إن «حماس ليس لها علاقة بإعطاء تصريح بإقامة فعاليات في غزّة لأنصار النائب دحلان لا من قريب ولا من بعيد»، مضيفاً: «تقدمت كتلة فتح البرلمانية بطلب للشرطة في غزّة بإقامة فعاليات مختلفة، وقد وافقت الشرطة على الطلب المقدم».
هذه التأكيدات تبدو «غير دقيقة» في العرف الغزي، لكون الشرطة الحمساوية تأتمر بإشارات الجهات العليا، وليس بإمكانها أن تخرج عن مبدأ «الطاعة». فيرى مراقبون أنّ «فورة» التحركات الدحلانية في القطاع لا يمكن أن تندرج إلا ضمن الحشد الجماهيري الواسع له على صعيد الانتخابات، فيما العين مصوّبة على خلافة عباس. لكن الفتحاوي المفصول من الحركة والمحسوب على دحلان، ماجد أبو شمالة، يحاول التقليل من نتائج تلك المصلحة النفعية، وذلك بتصوير التحركات الأخيرة رفعاً للظلم عن القطاع. يضيف أبو شمالة: «نعتقد أننا أصحاب حق، ونناضل من أجل مصلحة شعبنا الفلسطيني، ومن أجل رفع الظلم عن القطاع... لا نختبئ من أحد، وليس لدينا شيءٌ نخافه».
على طرفٍ مقابل، استشاطت جماعة «أبو مازن» غضباً إثر التزلّف الحمساوي ـ الدحلاني، إذ قالت مصادر فتحاوية لـ«الأخبار» إن «الرئيس أبو مازن كلّف الجهات المعنية بدفع 100 دولار لكل عضو لم يشارك في مهرجان رشاد الشوا، فيما كلف القيادي الفتحاوي نبيل شعت بمواجهة المدّ الدحلاني في غزة». كذلك، أعلن مدير الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة، عدنان الضميري، فصل 100 عسكري ممن شاركوا في ذلك المهرجان.