تونس | من الطريف أنّ من نعت الرئيس المنصف المرزوقي بأنه «قذافي تونس المفلس»، يحمل لقبه العائلي نفسه أيضا! فالدكتور الرصين، أبو يعرب المرزوقي، (الذي اشتغل في السنتين السالفتين مستشاراً سياسيا لرئيس حكومة النهضة حمادي الجبالي) فاجأ المتابعين للشؤون التونسية بحملة عنيفة على الرئيس المنتهية ولايته.
ولقد زاد أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة تونس الأولى، فكتب في مقال مطوّل (نشره في 11 من الشهر الحالي، على مدونته الشخصية) واصفاً الرئيس المرزوقي بأنه «مسيلمة الذي يدّعي الثورية»، وأنه قد خبره جيدا فعلم أنه «خفيف عقل»، وأنه يمارس «تهويمات صبيانية»، وأنه أيضاً يحيط نفسه ببطانة من «المهرّجين». وأضاف أنه «مغامر فاشل، قسم حزبه الصغير إلى أربعة أحزاب»، وأنه «يتجاهل المعطيات التي تتصف بها الوضعية المحلية والإقليمية والدولية، وخاصة الوضع الأمني والاقتصادي للبلاد».

لكنّ أخطر ما اتهَمَ به أبو يعرب المرزوقي الرئيسَ المؤقت أنه سعى في حملته الانتخابية إلى تخطي خطوط حمر في التحريض ضد خصمه، وذلك عبر إثارة «فتنة» في البلاد، ومن خلال «إحياء نعرات الجهويات والقبليّات»، من أجل المحافظة على كرسي في قصر قرطاج.
وتكمن خطورة هذا الكلام في كونه صَدَر عن رجل ذي قامة علمية ومعرفية ونضالية مرموقة ومشهود لها، في تونس، ثمّ إنّ الرجل خبير بدهاليز السياسة المحلية وخباياها، في السنوات الثلاث الأخيرة بعد الثورة التي أطاحت حكم زين العابدين بن علي، وهو فضلا عن كل ذلك ليس محسوبا على حزب «نداء تونس»، الذي يتزعمه خصم الرئيس المرزوقي في الانتخابات الرئاسية، الباجي قائد السبسي.، بل إنّ أبا يعرب محسوب على التيار الإسلامي التونسي، الذي يتحمس مناصروه بشدّة لمؤازرة الرئيس الحالي. ولقد كان الرجل أيضا نائبا سابقا عن حركة «النهضة»، في المجلس التأسيسي التونسي.
يؤمن المرزوقي ــ إلى حدّ اليقين ــ بأن قدر التونسيين أن تنتصر ثورتهم به وله

كثيرون هم الساخطون على المرزوقي، في تونس. رجال الأعمال، مثلاً، ما زالوا يأخذون على الرئيس جهالته الجهلاء بالاقتصاد، وتلهيه عنه بالسفرات الخارجية إلى كل أصقاع العالم، دونما طائل أو موجب! والديبلوماسيون لا يستنكفون عن الاستهزاء بتدخلات الرئيس في قضايا خارجية لا يدري كنهها وتعقيداتها (بحَسِب المرزوقي ذات مرة أن بوسعه أن يحل معضلة الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر!). والسياسيون لا يستسيغون الكثرة الزائدة عن الحد لأعوان الرئيس ومستشاريه، من دون أن يكون لهم (أو له) سلطة حقيقية، أو نفوذ! والصحافيون لا يغفرون للرجل أنه يتهم الإعلام التونسي بأنه «حقير»! والنساء لا يحتملن دمامة الرئيس، وسوء مظهره، وتفننه في ازدراء الأناقة! والمتدينون لا يرضون عن رئيس لا يتوانى طوال الوقت عن مغازلتهم، لكنه مع ذلك لا يستحي ـــ كما تتواتر الشائعات عنه ـــ أن يعاقر الخمر!
وأمّا البسطاء من التونسيين، فمتعجبون لماذا يتشبث المرزوقي براتب شهري ورثه عن زين العابدين بن علي، فهو يزيد أكثر من مئة مرّة عن مرتبات أغلب العمّال في تونس! ثمّ إنّ الرئيس بعد أن يضع كل شهر ثلاثين ألف دينار في جيبه، لا ينسى أن يحاضر ــ كلما سنح له الوقت ــ عن زهده ونسكه! (فطن المرزوقي أن اللغط حول مسألة ضخامة مرتبه، قد يضرّ به في الانتخابات. فأعلن في نيسان من العام الحالي، أنه سيقلص حجم مخصصاته المالية).
لكنّ للمرزوقي «جمهورا» واسعاً أيضاً، إلا أنّ المشكلة أنّ جمهوره ذاك مستعار ومؤقت! (دأب الإعلاميون التونسيون على أن يسمّوا المرزوقي «الرئيسَ المؤقت»، مما استفزه ــ ذات مرة في التلفزة ــ وأثار حنقه). والرئيس يعلم جيداً أنه مدين لحركة «النهضة» الإسلامية، بالمليون صوت التي حصل عليها في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية. ولو أنّ «النهضة» نزلت الاستحقاق الرئاسي بمرشحها الخاص، لما كان للمرزوقي أن ينال أكثر مما ناله حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» في الانتخابات التشريعية الأخيرة (نال حزب المرزوقي 1.84 % من مجمل أصوات الناخبين)، لكنّ حظ المرزوقي (والحظ أدى دورا كبيرا في حياة هذا الرجل) أن الإسلاميين التونسيين خلوا من مرشح خاص بهم في المعركة الرئاسية، مما جعلهم يلتفتون إلى حليفهم الصغير، الذي دأب على التزلف لهم (كان قرار عدم ترشيح وجه إسلامي لانتخابات الرئاسة، قرارا اتخذنه قيادة «النهضة» لتفادي خطأ إخوان مصر الذين أحبوا أن يضعوا أيديهم على كل السلطات، ففقدوها جميعاً).
يؤمن المرزوقي ــ إلى حدّ اليقين ــ بأن قدر التونسيين أن تنتصر ثورتهم به وله. ولقد رفعت حملته الانتخابية شعارَ «ننتصر... أو ننتصر» (وهو نفس عنوان كتاب نشره الرئيس هذا العام، عن «الربيع العربي»، وجمع فيه مقالاته في موقع «الجزيرة نت» القطري)، لكن هذا الشعار جلب اعتراضات كثيرة، فقرر الرجل تغييره، منذ أيام، بشعار «تونس تنتصر»، لكنّ غير المتفائلين بالرجل يرون أن انتصاره، لو جرى، فسيجلب على تونس مزيداً من المشاحنات والمناكفات والأزمات السياسية، لأن الحكومة المقبلة ــ التي بيدها غالبية الصلاحيات التنفيذية ــ سيؤلّفها خصوم الرجل... وهم بلا شك سيقفون منه موقف النابذ لمنبوذ!