بعنوان «قطر وتمويل الإرهاب» بدأت «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» الأميركية التي يديرها كليفورد ماي أحد المحافظين الجدد، بنشر تقرير مفصّل يجمع معلومات حكومية واستخباراتية وصحافية منذ بداية التسعينيات حتى عام ٢٠١٤. البحث من إعداد دايفد أندرو ويينبرغ سيتألف من ٣ حلقات «بسبب كمية المواد الهائلة حول التمويل القطري للإرهاب»، نشرت منه الحلقة الأولى منذ أيام بعنوان: «إهمال».

تعود هذه الحلقة الى عقدين من الزمن وتفنّد بالأسماء كيف «تعمّدت العائلة الحاكمة القطرية حماية» عدد كبير من المصنّفين «إرهابيين» من قبل واشنطن، وكيف «أهملت» أمر ملاحقتهم وردعهم عن الاستمرار بتمويل «داعش» و«خورسان» و«النصرة» و«القاعدة» في العراق وسوريا حالياً. «يفسّر هذا التقرير لماذا لا يمكننا اعتبار أن الإخفاق القطري (في وقف تمويل الإرهاب) يعود الى نقص في المواد القانونية أو الى معارضة مجتمعية، ولكن يجب فهمه على أنه إهمال متعمّد من السلطات القطرية»، يذكر ويينبرغ في الملخّص.
بالإضافة الى أبحاثه الخاصة، اعتمد التقرير على الوثائق التي نشرتها وزارة الخزانة الأميركية قبل أشهر والتي كشفت عن تورّط ٢٠ شخصاً قطرياً في تمويل الإرهاب. ويشرح التقرير أن وزارة الخزانة تورد لمحة مفصّلة عن كل اسم وضعته الحكومة الأميركية على اللائحة السوداء وتبيّن أسباب فرضها عقوبات مالية عليه وتجميد ممتلكاته بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة. ومن بين هؤلاء الأشخاص يفنّد التقرير:
ــ عبد الرحمن بن عمير النعيمي: حوّل ملايين الدولارات، خلال أكثر من عشر سنوات، الى مجموعات تابعة لـ«القاعدة» في العراق، سوريا، اليمن والصومال. موّل «عصبة الأنصار» في لبنان المرتبطة بـ«القاعدة» والموضوعة على اللائحة السوداء منذ عام ٢٠٠١. أعطى مبلغ مليوني دولار في شهرياً لـ«القاعدة في العراق».
في الفترة الأخيرة، أرسل مبلغ ٦٠٠ ألف دولار الى أبو خالد السوري، «مبعوث أيمن الظواهري في سوريا»، وكان ينوي إرسال ٥٠ ألفاً أخرى. كذلك أعطى في وقت سابق ٢٥٠ ألف دولار لقادة حركة «الشباب» الصومالية.
النعيمي أرسل
مبلغ ٦٠٠ ألف دولار إلى أبو خالد السوري


تتهمه وزارة الخزانة الأميركية بتمويل تنظيم «القاعدة» منذ عام ٢٠٠٣ على الأقلّ. في كانون الأول عام ٢٠١٣ وُضع على اللائحة السوداء من قبل واشنطن بتهمة تمويل الإرهاب ودعمه، تبعها عام ٢٠١٤ كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وتركيا. بعد أيام من تصنيفه من قبل واشنطن شارك النعيمي في محاضرة في الدوحة من تنظيم «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» المقرّب من النظام و«تباهى بأنه لن يجرّم قانونياً، مؤكداً أن السلطات القطرية ستقف الى جانبه»، يلفت التقرير.
في تشرين الأول ٢٠١٤ أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن النعيمي هو حالياً أحد «سكّان قطر الذين لم يؤخذ أي إجراء بحقه بموجب القانون القطري». باختصار، النعيمي «لديه علاقات عديدة مع النخبة الحاكمة في الإمارة»، يخلص ويينبرغ.
وفي لمحة سريعة عن حياة النعيمي، يشير التقرير الى أنه أوقف لثلاث سنوات في سجون النظام عام ١٩٩٨ بسبب تسميته زوجة الأمير في معرض انتقاده لدور النساء في المجتمع. بعد أن أعفي عنه، تلقّى ترقية من جامعة قطر ثم عُيّن رئيساً لـ«المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في الدوحة. «ويرأس المركز حالياً عزمي بشارة الذي أعطي الجنسية القطرية» يضيف التقرير، «وقد استقبل النعيمي وبشارة قادة من حماس مثل خالد مشعل في مناسبات عدّة للتحدّث في المركز».
شارك النعيمي عام ٢٠٠٤ بتأسيس مجموعة «الكرامة» الحقوقية في جنيف (سويسرا) وبقي في مجلس إدارتها حتى عام ٢٠١٣، كما شارك في حملات ومنظمات عديدة خيرية ورياضية «تظهر علاقاته بالنخبة الحاكمة في قطر»، يؤكد ويينبرغ.
ــ الحرس القديم لـ«لقاعدة»: في هذه الفقرة يعود التقرير الى تسعينيات القرن الماضي والمعلومات الواردة في تقرير «اللجنة الوطنية حول هجمات ١١ أيلول»، ليشير الى دور بعض المؤسسات القطرية (مثل «الجمعية القطرية الخيرية») في تمويل «قاعدة» أسامة بن لادن منذ بدايات التسعينيات. كذلك يستند التقرير الى معلومات وزارة الدفاع الأميركية و«اللجنة الوطنية» ليسلّط الضوء على دور الأمير عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني في إيواء ودعم وحماية خالد الشيخ محمد «أحد المهندسين الأساسيين لهجمات ١١ أيلول»، و«الضالع في تمويل الجهاد في البوسنة وفي إرسال أموال من الأراضي القطرية لتستخدم في التفجير الأول لمركز التجارة العالمي عام ١٩٩٣». عمل الشيخ محمد لفترة كموظف في وزارة الطاقة والمياه القطرية في التسعينيات، وحسب التقرير، طالبت السلطات الأميركية مراراً من وزارة الخارجية القطرية بتوقيفه وعندما حصلت على الإذن بذلك بعد مماطلة من قبل الدوحة، كان المتهم قد غادر البلاد.
وينبرغ يذكر في تقريره أن هناك شخصيات من العائلة المالكة إضافة الى عبد الله بن خالد «يؤيدون القاعدة ويوفّرون ملاجئ آمنة لبعض قادتها». علماً بأن عبد الله بن خالد شغل منصب وزير الداخلية منذ عام ٢٠٠١ حتى ٢٠١٣. التقرير يذكر أيضاً معلومات من وزارة الدفاع الأميركية تتحدث عن زيارة أسامة بن لادن للدوحة عام ١٩٩٦، حيث مكث في منزل أحد أعضاء العائلة الحاكمة، وزيارتين للأمير عبد الله بن خالد في قطر بين عامي ١٩٩٦ و٢٠٠٠.
ــ الأخوان الماري: علي وجار الله صالح الماري، أوقفتهما السلطات الأميركية بعد أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ بتهمة الانتماء الى «القاعدة». ينقل التقرير عن وثائق قضائية أن خالد الشيخ محمد كان على اتصال بالأخوين الماري وكان كلّفهما بمهمات محددة مرتبطة بالإعداد لهجمات ١١ أيلول. لكن عام ٢٠٠٨ أخرجت واشنطن جار الله من معتقل غوانتنامو وسلّمته الى قطر، واشترطت «ألا يغادر البلاد، وأن يتمّ إبلاغها في حال حاول الخروج». لكنه أوقف في بريطانيا عام ٢٠٠٩ خلال زيارته الثانية لها بعد تسليمه. التقرير يشير الى أنه رغم تعهّد السلطات القطرية مجدداً بأن «تبقي الماري تحت مراقبتها»، يبدو أن «حساباً يعود اليه على موقع تويتر اسمه «مديد أهل الشام» يطلق حملات تبرّعات مالية مدعومة من جبهة النصرة لحساب القاعدة».

ــ كواري وخوار: يظهر اسما المواطنين القطريين سالم حسن كواري وعبدالله غانم خوار على إحدى أهم لوائح شبكات تمويل «القاعدة» في الشرق الأوسط وجنوب آسيا التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية عام ٢٠١١، واصفة الشبكة بـ«الأنبوب الأساسي لأموال القاعدة». كواري وخوار عملا على خطّ نقل الأموال ـ المقدّرة بمئات آلاف الدولارات ـ من قطر الى مسؤولي «القاعدة» في إيران. وتلك الأموال كانت تنتقل بعدها الى «القاعدة» في أفغانستان وباكستان والعراق. القطريان ساهما أيضاً في تسهيل دخول عدد من المتطرفين للقتال في أفغانستان، حسب التقرير. في عامي ٢٠٠٩ و٢٠١١ أعلنت السلطات القطرية اعتقال كلّ من كواري وخوار، وفي المرّتين قامت منظمة «الكرامة» (التي أسّسها عبد الرحمن النعيمي) بالضغط من خلال الأمم المتحدة للإفراج عنهما، وتمّ ذلك. ويشير التقرير إلى أن كواري عمل في وزارة الداخلية القطرية وأن خوار ما زال يملك أوراقاً ثبوتية قطرية وجواز سفر صالحاً.




«أرفع موظفي الدولة القطرية» يدعم الإرهاب

خليفة السبيعي: في عام ٢٠٠٧ صُنّف خليفة محمد تركي السبيعي كأحد «أرفع موظفي الدولة القطرية»، إذ كان يعمل في المصرف المركزي. لكن في بداية عام ٢٠٠٨، يذكر التقرير أن السبيعي حاكمته السلطات البحرينية غيابياً بتهمة «تمويل الإرهاب والانتماء الى منظمة إرهابية والخضوع لتدريب إرهابي وتسهيل خضوع الآخرين لمثل هذا التدريب».
وبعد أشهر على حكم البحرين، يذكر ويينبرغ أن وزارة الخزانة الأميركية اتهمت السبيعي بـ«تقديم دعم مالي لخالد الشيخ محمد («أحد مهندسي هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١»، كما تصفه واشنطن) والى قادة «القاعدة» في باكستان، وبنقل الإرهابيين الذين تمّ تجنيدهم إلى مركز تدريب «القاعدة» في باكستان. كذلك عمل كصلة وصل ديبلوماسية بين «القاعدة» وأطراف أخرى في الشرق الأوسط».
ولكن التقرير يلفت الى أنه بعد إدانة البحرين له، أوقفته السلطات القطرية في شهر آذار، ثم ما لبثت أن أفرجت عنه في أيلول من العام نفسه حتى بعد توجيه واشنطن اتهاماتها له.
بعدها وضعته الأمم المتحدة بدورها على لائحة «القاعدة» السوداء. ورغم تعهّد السلطات القطرية بـ«إبقائه تحت السيطرة»، يشرح ويينبرغ، تمّ عام ٢٠١٤ القبض على شخصين أردنيين يحملان الهوية القطرية وقالت واشنطن إنهما عملا مع السبيعي عام ٢٠١٢ وقاما بنقل مئات آلاف الدولارات الى «القاعدة» في باكستان.
التقرير ينقل عن السلطات القطرية بأن السبيعي لا يزال يحتفظ بهويته القطرية وبجواز سفر صالح. أما وزارة الخزانة الأميركية فلفتت في تقريرها الأخير إلى أن السبيعي ما زال يعدّ «من سكّان قطر الذين لم يؤخذ بحقهم أي إجراء بموجب القانون القطري».
وكانت صحيفة «ذي دايلي تلغراف» كشفت قبل شهرين عن وثائق أميركية رسمية تؤكد أن أشرف عبد السلام، الذي يقاتل في سوريا منذ بداية العام الحالي، «ساعد السبيعي في نقل مئات الآلاف من الدولارات إلى القاعدة في باكستان». وتعتبره الاستخبارات الأميركية «الداعم المالي لتنظيم القاعدة في العراق وجبهة النصرة في سوريا».
كذلك كشفت الوثائق، حسب «ذي دايلي تليغراف»، عن صلات السبيعي بعبد الملك محمد يوسف عثمان عبد السلام المعروف بـ«عُمر القطري»، الذي أرسل، بحسب المسؤولين الأميركيين، «عشرات الآلاف من الدولارات» إلى زعيم جماعة «خورسان» في سوريا محسن الفضلي. وتشير تلك الوثائق إلى أن «عمر القطري جمع التبرعات للقاعدة عبر الإنترنت، ونسّق مع السبيعي لنقل عشرات آلاف الدولارات للقاعدة وزعمائها».
وتشمل الشبكة التي يتواصل معها السبيعي، القطري إبراهيم عيسى حجي محمد البكر، الذي أُضيف إلى قائمة الإرهاب الأميركية منذ أشهر. ووصف البكر في عام 2006 بـ«اللاعب الأساسي في خلية إرهابية كانت تخطّط لهجمات على القواعد العسكرية الأميركية في قطر». وسبق له أن سُجن في قطر في بداية عام 2000 بتهمة «تمويل الإرهاب»، لكن «أُفرج عنه لاحقاً بعدما وعد بعدم تنفيذ أي نشاط إرهابي في قطر». لكن وفقاً للوثائق الأميركية، فهو «تحوّل إلى مموّل أساسي للقاعدة وطالبان ويعمل كصلة وصل بين مموّلي القاعدة في الخليج وأفغانستان».