تونس | عكس الأسبوعان الأولان من عمر البرلمان التونسي الجديد، قدرة القطبين المهيمنين على المشهد السياسي المنبثق من الانتخابات التشريعية الأخيرة، «نداء تونس» (86 مقعداً من أصل 217) و«النهضة» (69 مقعداً)، على العمل المشترك والتوافق بينهما، برغم تاريخهما، خلال العامين الأخيرين، في التنافر والتصارع. وأظهرت مؤشرات الجلسات الأولى للمجلس، أمام من تصوّر منهجاً متشنجاً في العلاقة البرلمانية بين الطرفين، أنه واهم إلى حد بعيد.
وخلال الجلسة الأولى للمجلس (4 كانون الأول الحالي)، فاجأ الحزبان جميع المتابعين، عندما تقاسما المناصب الرئيسية، فحصل محمد الناصر (مرشح النداء) على الرئاسة، فيما انتخب عبد الفتاح مورو (النهضة) نائباً أول له. حتى إن ترتيبات انعقاد تلك الجلسة شهدت خلافات، فقرر الطرفان تأجيلها ليومين (من الثاني من كانون الأول حتى الرابع من الشهر ذاته). وكان المراد من ذلك التأجيل، التوافق على التوصل إلى اتفاق نهائي على توزيع المناصب داخل المجلس.
وبرغم التوافق الحاصل، وما بدا من مشاركة «النهضة»، فعلياً، في الحكم، تمثل الغريب أيضاً في حصول الحركة، خلال الجلسة ذاتها، على رئاسة اللجنة المالية، وإن بشكل مؤقت لتمرير قانون الميزانية. وهو منصب منحه الدستور التونسي للمعارضة. ويحدد الدستور في الفصل 60 منه، التالي: «المعارضة مكوّن أساسي في مجلس نواب الشعب... تسند إليها وجوباً رئاسة اللجنة المكلفة المالية وخطة مقرر في اللجنة المكلفة العلاقات الخارجية».
ترجمت أعمال
اللجنة المالية حجم التناغم والتناسق
بين «الخصمين»

وترجمت أعمال اللجنة، بوضوح، حجم التناغم والتناسق بين «الخصمين»، على نحو أكد ما يصفان به: «قطبا اليمين في تونس» في ما يتعلق بالخيارات الاقتصادية. وعالجت لجنة المالية مشروع قانون ميزانية البلاد لعام 2015 خلال جلسات تميزت بالهدوء الحذر، وسرعان ما جرى تمرير المقررات، حتى خيّل لعدد من المتابعين أن حلفاً قريباً سيُعلَن بين الطرفين. وللإشارة، لم يُسمع خلال جلسات اللجنة صوت معارض، ما خلا مداخلات النائب الوحيد عن «الجبهة الشعبية»، المنجي الرحوي.
وتتويجاً للانسجام بين «النداء» و«النهضة»، وافق مجلس النواب التونسي على قانون المالية وميزانية الدولة بغالبية مريحة، فاقت ثلثي الأعضاء، برغم تحفظ ورفض 25 نائبا، ينتمون في غالبيتهم إلى «الجبهة الشعبية». وفي حديث لـ «الأخبار»، قال رئيس لجنة المالية وزير المالية السابق، سليم بسباس، إن «التوافق بين نواب النداء والنهضة داخل اللجنة نابع من إحساسهم بجسامة المرحلة وضرورات التسريع في تمرير هذا المشروع». وكشف أن «الفصول الخلافية جرى إبعادها وترحيلها الى (جلسات) الحكومة المقبلة، لينظر فيها بهدوء». وأضاف وزير المالية السابق في حديثه أنه «لا يمكن الحديث عن تحالف بين نداء تونس والنهضة لأن التحالفات عادة ما تبنى على قاعدة مشتركة وبرنامج سياسي واقتصادي، والحال (اليوم) أنه ما من مشترك بين الحزبين حتى هذه اللحظات، بل هماك ارضية من الاحترام والوعي... فكان الحزبان في حجم المسؤولية الوطنية المنوطة بعهدتهما».
على مقلب آخر، اتهمت النائبة عن «التيار الديموقراطي»، سامية عبو، «نداء تونس» و «النهضة»، «بوضع اليد في اليد ضد مصلحة البلاد». وأشارت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «ما حدث لا يعدو كونه تقاسم كعكعة بين القطبين صاحبي غالبية المقاعد. فقد حرص كل طرف منهما على تقديم عربون مودة بهدف تمتينه في المستقبل في اطار حكومة مشتركة». ورأت عبو أن «هذه الميزانية لا تخدم مصلحة الفئات الاجتماعية الضعيفة ولا العدالة الاجتماعية والتوازن بين الجهات... بل تخدم مصالح الحزبين الليبراليين».
عموماً، برغم كل ما دار في البرلمان التونسي الجديد، إلا أنه جدير بالذكر أن لا تقارب معلنا، بعد، بين القطبين. وكان مجلس شورى «النهضة» قد جدد، في نهاية الأسبوع الماضي، تفويضه لأنصار الحركة اختيار من يرونه «الأصلح» من بين المرشحين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية (يوم الأحد المقبل)، زعيم «النداء»، الباجي قائد السبسي، ورئيس الجمهورية الحالي، المنصف المرزوقي. وشدّد المجلس، في بيانه، على أن الحركة ليس لديها أيّ مرشّح تدعمه.