«4 آلاف سجين، بمعدل 301 من كل مئة ألف من السكان»، الأرقام التي كشف عنها موقع قناة «سي إن إن» الأميركية، دفع بأصغر ممالك الخليج، البحرين، إلى تصدر المركز الأول عربياً في عدد السجناء. ففي بلد المليون بحريني، ومنهم مئات آلاف المجنسين من هنود وباكستانيين وبلوش وعرب، يخضع آلاف السجناء، ومنهم ما يزيد على 250 طفلاً، لعقاب تأديبي يُمارس ضد مطالب الإصلاح.
تتوزع سجون البحرين العشرين على مناطق مختلفة في المملكة. تدير هذه السجون ثلاثة أجهزة: جهاز الأمن الوطني، وقوة دفاع البحرين، ووزارة الداخلية. أما السجون الرئيسية فهي أربعة: سجن «القرين» وسجن «الحوض الجاف» وسجن «جو» و«مركز مدينة عيسى للتوقيف» (للنساء). يكدس في هذه السجون آلاف المعتقلين السياسيين وفق اعترافات «الأمانة العامة للتظلمات» التابعة لـ«الداخلية»، بعدما سبق أن دعت الهيئة الرسمية إلى اتخاذ الإجراءات العاجلة لتلافي مشكلة اكتظاظ الزنازين.
وفي أيار الماضي، أعلنت «الداخلية» تدشين ستة سجون جديدة في العاصمة المنامة، اثنان منها في مركز الحبس الاحتياطي في «الحوض الجاف»، وأربعة في مركز الإصلاح والتأهيل «جو». وقالت الوزارة إن هذه المباني تم تشييدها وفق المقاييس والمواصفات الدولية، في ما يتعلق باشتراطات الأمن والسلامة والظروف المعيشية.
استحدثت ستة سجون جديدة لاستيعاب أعداد المعتقلين المتزايدة

لماذا تم استحداث السجون الجديدة؟ الجواب بسيط: لاستيعاب أعداد المعتقلين المتزايدة. هنا يذكر مدير إدارة «الإصلاح والتأهيل» في وزارة الداخلية، العقيد ركن ناصر بخيت سعد، أن عمليات تأهيل واستحداث السجون تأتي «لتفادي الاكتظاظ، وأيضاً لينعم جميع النزلاء بالراحة خلال محكوميتهم». ويضيف أن إدارة «الإصلاح والتأهيل تولي جلّ اهتمامها في تلبية المتطلبات والاحتياجات كافة الخاصة بالنزلاء وتهيئتهم ليعودوا أفراداً ذوي نفع للمجتمع»... أي تهيئتهم للتسليم وللتعايش مع الديكتاتورية. أما وكيل الداخلية، اللواء خالد سالم العبسي، فقال إن عملية تطوير المنشآت الخاصة بالسجون تأتي «لضمان حصول النزلاء على حقوقهم كافة والارتقاء بأنواع الخدمات والبرامج المقدمة لهم».
في مقابل ادعاءات السلطة، قضى بعض السجناء، ومنهم زكريا العشيري وعبد الكريم فخراوي وحسن جاسم الفردان وغيرهم، نتيجة إحدى الخدمات التي تقدمها السجون البحرينية لنزلائها: خدمة التعذيب. فالتعذيب حتى القتل ليس مستجداً في أساليب العقاب السياسي في البحرين. منذ 1975 إلى 1999، ومن 2007 إلى 2011، تسبّب التعذيب في قتل 23 معتقلاً.
وقد وثّق رئيس «اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق»، المصري محمود شريف بسيوني الذي أتت به السلطة نفسها، في تقريره الشهير في 2011، حجم الألم الذي لقيه الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة، المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة. كتب بسيوني: «أمضى الموقوف سبعة أيام تقريباً في مستشفى قوة دفاع البحرين. وكان معصوب العينين طوال الوقت ومكبل اليدين إلى السرير باستخدام قيود ضيقة... وهدّده أفراد الأمن في المستشفى بالاعتداء الجنسي والإعدام. ووجّهوا له تهديدات جنسية تخصّ زوجته وابنته».
وأضاف التقرير عن الخواجة: «في سجن القرين، قضى الموقوف شهرين في الحبس الانفرادي في زنزانة صغيرة مساحتها 2.5 2x متر تقريباً، ولم يكن يعرف مكان وجوده أو يومه، ولم يكن هناك أيّ هواء نقي. كان يعصب العينين كلما ذهب إلى دورة المياه. وبعد ثمانية أيام من الجراحة التي أجريت له، كان يُضرب بانتظام أثناء الليل. وكان الحراس الملثمون يسبّونه ويضربونه على رأسه ويديه، ما تسبّب في تورّم جسده. كذلك أدخلوا عصا بالقوة في شرجه. وتعرض للضرب على باطن قدميه».
في كتابه «المراقبة والمعاقبة»، يدرج «فوكو» التعذيب ضمن آليات الاستثمار السياسي للجسد. فالجسد المعذّب، في نظر الفيلسوف الفرنسي، هو مرآة «تعكس السلطة والانضباط الذي يتحوّل إلى تقنية للسيطرة على الجسد الفردي والاجتماعي».
أما في تموز 2013، فنشرت «جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان» صوراً للمعتقل الحقوقي ناجي فتيل (39 عاماً) تظهر آثار التعذيب التي حفرت خطوطاً عريضة على جسده. استثمرت السلطة البحرينية صور فتيل، كما استثمرت شهادات وفاة معتقلين كالعشيري وفخراوي والفردان في معركتها مع الشرعية. صور الأجساد المعذبة أرادتها السلطة ضابطة لشارع انفلت من قبضة الديكتاتورية. أرادت سلطة البحرين أن تفرض باستثمارها سيطرتها على الجسد الجماعي للشعب، وأن توضح أن السلطة لا تمنحها شرعية شعبية، بل تمارس سطوتها على الأجساد.
هكذا فسّر فوكو كيف أنّ «السجن والعقاب هما آليتان لمعرفة اشتغال السلطة». وهكذا طبّقت البحرين التفسير.

* إعلامية بحرينية