الجزائر | يتواصل مسلسل الصدام والصراع بين الاسلاميين في الجزائر، على عكس نظرائهم في باقي الدول، بنحو جعل وضعهم يشبه بقايا انفجار بيت تناثرت أجزاؤه في كل مكان. آخر الحلقات سوء تفاهم داخل حركة «مجتمع السلم»، أكبر حزب إسلامي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بين رئيس الحزب عبد الرزاق مقري وأحد أبرز القياديين أبو جرة سلطاني، الرئيس السابق للحركة ووزير الدولة، ومن بين المقربين لمؤسس «الإخوان» في البلاد، على خلفية مشاركة الثاني في مشاورات سياسية حول مبادرة «الإجماع الوطني» المعروضة من طرف أقدم حزب معارض، وهي الخطوة التي رفضها الأول.
وتعاني الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر التشتت، تارة بسبب مواقفها ومرات لتنافس على الزعامة، وأخرى لمحاولات التقرّب من السلطة على حساب مبادئ مؤسّسيها، بدليل أنها باتت تحصد مع كل استحقاق انتخابي هزيمة تلو الأخرى. فبعد النتائج التي تحصلت عليها في الانتخابات التشريعية عام 2012، ثم المحليات، قاطعت الأحزاب الإسلامية الانتخابات الرئاسية في نيسان الماضي، في محاولة منها لكسب أنصارها من جديد مع ظهورها على عهدها كمعارضة للنظام «الاستبدادي والديكتاتوري» الذي يمارس التزوير والتضييق على المعارضين. ورغم التكتيكات التي اعتمدتها عبر التحالفات أو التكتلات مع الديموقراطيين والعلمانيين «أعداء الأمس»، أو تصعيد لهجة الخطاب المعارض للسلطة، عكست النتائج كل التوقعات وتوسعت الانشقاقات مع فشل كل محاولات التقارب في ما بين «الإخوة الأعداء»، واستمر تراجع التيار إلى مراتب متأخرة لم تشهدها التشكيلات الإسلامية منذ إقرار التعددية الحزبية.
وراهنت الأحزاب الإسلامية خلال الاستحقاقات الماضية على الأوضاع، سواء السابقة أو الحالية، التي تعرفها بعض الدول العربية في إطار ما يعرف بـ«الربيع العربي»، والتي أفرزت مشاركة أحزاب الإسلام السياسي في الحكم في كل من تونس والمغرب، مقابل الفشل في سوريا وليبيا واليمن، إلا أن وضع «إخوان» الجزائر ازداد سوءاً مع تطور الأحداث سلباً في سوريا، مصر، ليبيا، واليمن.
وبقدر ما حرّك «الربيع العربي» التيار الإسلامي طمعاً في حصد مكاسب سياسية على الأرض شتت ذلك صفوفه. فبعض قوى التيار الإسلامي سارعت إلى ربط اتصالات مع قوى إسلامية في دول «الربيع العربي»، إضافة إلى الاتصال بدول كان لها دور في الأحداث كتركيا وقطر، أملاً في جلب التأييد وطلباً للمساعدة لما بعد الفوز، فيما استنكرت بعض القوى الأخرى الخطوة واعتبرتها خيانة للمبادئ وللوطن، وعبّرت عن تمسكها بمبدأ جزائري ـ جزائري، معلنةً العداء للراغبين في التواصل مع دول أجنبية. وحدث الانشقاق الكبير مع خروج أحزاب جديدة من رحم حركة «مجتمع السلم»، فأسس الوزير الحالي للنقل عمار غول حزب «تجمع أمل الجزائر»، وأنشأ وزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة حركة «التغيير الوطني»، وأعلن مصطفى بلمهدي، أحد أهم القياديين في تيار «الإخوان» ومن مؤسّسي حركة «مجتمع السلم»، حزب «البناء الوطني».
ويبرر رئيس حركة «مجتمع السلم»، عبد الرزاق مقري، تقهقر التيار الإسلامي في الجزائر بعدم مشاركة أغلب التيارات الشعبية التي تساند الأحزاب الإسلامية في الانتخابات بسبب فساد العملية السياسية، معتبراً في حديث إلى «الأخبار» أن «الهزة العنيفة التي تعرضت لها الجزائر أثناء العشرية السوداء لم تؤثر إطلاقاً في التيار الإسلامي، في حين أن السلطة تتخذها كذريعة لتخويف الشعب منه». وفيما أوضح أن «ضبابية الرؤية السياسية وغياب المرجعية الفكرية يعدان سبباً رئيسياً في الانشقاقات التي تحدث داخل الأحزاب الإسلامية»، أكد مقري أن «الإسلاميين سيعودون».
وشدد مقري على أنه «يوم يقتنع الناخب الجزائري بأن العملية السياسية لها معنى وأن صوته لا يزوّر، فإن الأحزاب الإسلامية ستعود إلى الصدارة، سواء طال الزمن أو قصر»، لافتاً إلى أن «النظام الجزائري يستعمل نفس الأسلوب الذي استعمله حسني مبارك في مصر وبن علي في تونس، حيث كانا يخوّفان شعبيهما من التيار الإسلامي، وبما أنها لم تنفع في مصر ولا في تونس فإنها لن تنفع في الجزائر أيضاً».
وأشار مقري إلى أن «السلطة استغلت سنوات الإرهاب في تخويف الجزائريين من العمل السياسي، واستغلت البحبوحة المالية في شراء السلم المدني، ما أخّر التحول الديموقراطي، لكنه تأخر فقط، فالجزائر لن تكون استثناءً عن دول الجوار مهما حصل».
من جهته، رأى القيادي في حزب «العدالة والتنمية»، لخضر بن خلاف، أن «فشل التيار الإسلامي في الجزائر مرتبط بعدة ظروف، أهمها عدم احترام إرادة الشعب، إضافة إلى صعوبة لمّ شمل الأحزاب الإسلامية كونها لا تشترك في نفس الخط السياسي»، موضحاً أن «قياس شعبية التيار الإسلامي لا يمكن أن يكون في ظل انتخابات مزوّرة وغير شفافة».
وأشار بن خلاف في حديث إلى «الأخبار» إلى أنه «لا يمكن لمّ شمل هذه الأحزاب باعتبار أن هناك أحزاباً إسلامية تشارك في الحكومة وتدّعي أنها معارضة للنظام».
في المقابل، بعث الأمين العام السابق لحركة «النهضة» الجزائرية، فاتح ربيعي، في تصريح إلى «الأخبار»، برسائل أمل، وقال إن «التيار الإسلامي نجح في بداية التسعينيات، لكن العبث بإرادة الشعب فرض واقعاً آخر، لكن الأمل ما زال متجدداً في عودة الكلمة إلى الشعب عاجلاً أم آجلاً».
وأبرز ربيعي أن «الأحزاب الإسلامية نجحت في لمّ شملها من خلال تكتل الجزائر الخضراء، الذي يضم حركة مجتمع السلم، النهضة والإصلاح». غير أن القيادي في حركة «الاصلاح»، حملاوي عكوشي، يعترف بأن «التيار الإسلامي مستهدف ويخضع للتقزيم منذ سنوات من قِبل السلطة التي حمّلها جزءاً من مسؤولية الانشقاقات التي تحدث داخل الأحزاب الإسلامية، خاصة بعد خروج الوزير عمار غول وانشقاقه عن حركة «مجتمع السلم».
وشدد عكوشي في حديثه إلى «الأخبار» على أنه «لولا التزوير في نتائج الانتخابات لفاز التيار كغيره من التيارات الإسلامية في الدول التي شهدت ربيعاً عربياً».
ومع لجوء أكبر حزب إسلامي إلى التحالف مع «أعداء الأمس» من الديموقراطيين والعلمانيين، إضافة إلى أحزاب «مجهرية» وبعض الشخصيات التي كانت محسوبة على السلطة، يتأكد بوضوح أن كل محاولات لمّ شمل التيار الإسلامي في الجزائر فشلت، علماً بأن هذا التحالف هو الذي أصبح حالياً يشكل تكتلاً سياسياً معارضاً للنظام، ويشدد في بياناته على ضرورة التغيير ويدعو إلى إعلان حالة شغور منصب الرئيس بسبب مرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.