■ يطغى الحديث عن المخاطر عند الحدود مع ليبيا، ومؤخراً تحدثت وسائل إعلام، محلية وخارجية، عن حوادث إطلاق نار هناك، هل من إيضاحات؟لم يكن هناك إطلاق نار قرب الحدود التونسية، بل في عمق الأراضي الليبية، على بعد خمسة كيلومترات من أراضينا... حتى الساعة، الوضع في المعابر الحدودية هادئ ولم يُسجّل أيّ تدفق أكثر من العادة لليبيين إلى تونس، أو حتى دخول لاجئين من جنسيات أخرى.

ونحن نتابع بكل اهتمام وجدية ما يحدث في ليبيا بالتنسيق مع السلطات في ليبيا... قواتنا الأمنية والعسكرية على أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات وأخذنا في الحسبان كل السيناريوات المحتملة لمواجهة ما قد ينتج من المعارك الدائرة في ليبيا.

■ مع من تنسّق السلطات التونسية، خاصة أن هياكل الدولة تقريباً غير واضحة في ليبيا، وهناك أكثر من طرف يبسط سيطرته على المناطق المحاذية للحدود التونسية؟
بطبيعة الحال، نحن نتعامل مع الحكومة الليبية والبرلمان الليبي، اللذين يعتبران السلطة المعترف بها أممياً، واللذين يحظيان بالشرعية الدولية. حالياً لا يوجد تنسيق بالمعنى الواضح للعبارة مع أي دولة، لكننا نتابع الأوضاع بكل انتباه وجدية وحذر.

■ كيف استعدّت الدولة التونسية للتعامل مع كل من يعود عبر الحدود الليبية بعد مشاركته في تنظيمات مثل «الدولة الإسلامية» أو تنظيمات إرهابية أخرى؟
قواتنا الأمنية متأهبة للتعامل مع أي احتمالات قد تنتج من هؤلاء. وقد وضعت إجراءات خاصة لاستقبال كل العائدين من هذه التنظيمات الإرهابية إلى تونس، والتعاطي معهم. وبطبيعة الحال، هذا الملف تشرف عليه القوات الأمنية والاستخبارات، التي بدورها تراقب تحركاتهم وتقوم بواجبها كما يمليه عليها القانون.

■ هناك مخاوف من تقدم «أنصار الشريعة» واقترابها من الحدود، فهل استعدّت السلطات لمواجهته؟
لا داعي لهذه المخاوف، فالقوات العسكرية والأمنية مستعدة لمواجهة أي تطوّرات. ومنذ فترة قصيرة، زار وزير الدفاع الحدود التونسية، وعند عودته طمأننا بشأن الوضع الحدودي، وأكد أنه تمّ تأمينها والاستعداد لمواجهة أي خطر يمكن أن يأتي من ليبيا. هذا إضافة إلى التنسيق مع الشقيقة الجزائر، وهي أكثر دولة نتعامل معها بنحو يكاد يكون يومياً، من أجل تأمين حدودنا. نحن مطمئنون على حدودنا مع الجزائر*، لأن تعاملنا مع الشقيقة الجزائر تعاون استراتيجي.
* (المناطق الحدودية التونسية الجزائرية هي مناطق توجد فيها مجموعات إرهابية وتشهد عدة عمليات أمنية)

■ وبشأن الجالية التونسية في ليبيا؟
لقد أصدرنا بيانات وبلاغات، في عدة مناسبات، ودعونا جاليتنا الموجودة في لبيبا إلى العودة إلى أرض الوطن وتفادي الذهاب إلى ليبيا، إلا في الحالات القصوى والاستثنائية. ونحن نكرّر ونؤكد، من خلالكم، تحذير التونسيين من الدخول إلى الأراضي الليبية، ونطالبهم بالحذر التام من أي خطر محدق، نتيجة الانفلات التام وخطورة الوضع الأمني.

■ بخصوص الصحافيين الاثنين المختطفين في ليبيا منذ ما يقارب ثلاثة أشهر، هل هناك تطور في مساعي إطلاق سراحهم؟
الملف لا يقتصر على سفيان الشورابي ونذير القطاري فقط، بل هناك مختطف آخر احتُجز مؤخراً، وهو حارس السفارة التونسية في ليبيا. نحن نتابع الموضوع عبر كل القنوات الرسمية وغير الرسمية. كافة مؤسسات الدولة، من وزارة داخلية ودفاع وعدل وغيرها، اجتمعت، أمس (أول من أمس)، والتقينا بكل من والدة نذير القطاري ووالد سفيان وممثلين عن قطاع الصحافة. كذلك التقينا وزير الداخلية الليبي السابق والقنصل العام التونسي في ليبيا الذي كلفته شخصياً بمتابعة الملف. وفي هذا الإطار، أرسلته إلى طبرق وشرقي ليبيا للبحث عن المخطوفين والتحقق من الوضع. وبناءً على ذلك، عرض علينا تقريراً بشأن المسألة. وأيضاً في الإطار ذاته، التقيت وزير الخارجية الليبي في عدة مناسبات، وزرت رئيس البرلمان الليبي وعدداً من النواب، الذين أكدوا لي أن هناك خليّة أزمة أرسلت إلى هناك لمتابعة هذا الملف. ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أننا لا نواجه عملية احتجاز عادية، بل جماعة مجهولة، إضافة إلى أنه لا تتوافر لدينا معطيات عن سبب اختطافهم والغاية من ذلك، ما يعرقل التوصل إلى إطلاق سراحهم. ولكننا سنواصل كل الجهود مع الجانب الليبي، من أجل ذلك.

■ في المقابل، هناك جالية ليبية ضخمة على الأراضي التونسية، ماهي تداعيات ذلك على الوضع في تونس؟
وجود الإخوة الليبيين في تونس مؤقت، ولكن تداعياته مهمّة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي التونسي. ووفق تقديرات وزارة الداخلية، فقد بلغ عدد الليبيين النازحين إلى أراضينا مليوناً وثمانمئة ألف ليبي، وهو عدد ضخم له تداعياته، خصوصاً الأمنية والسياسية. نحن نعتبرهم إخوة مبجّلين على أراضيهم، ولكن كنّا حريصين في المقابل على أن يتجنّبوا العمل السياسي على أراضينا وعدم إقحامنا فيه.

■ وهل اتخذتم إجراءات بشأن الليبيين الذين يمارسون العمل السياسي في تونس، وآخرهم من استقدم المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي من دون إذن من السلطات؟
أجل، نبّهنا الجالية الليبية بحزم، وطلبنا منهم عدم القيام بالعمل السياسي في تونس، وعدم إقحامنا في مشاكلهم السياسية، وألا يعقدوا أي اجتماعات على أرضنا، وكل من خالف هذه التوصيات رحّلناه فوراً. ومثلاً، من استقدموا برنارد هنري ليفي أو غيرهم ممن يظهرون على شاشات التلفزيون أو يمارسون السياسة في الخفاء، قمنا بترحيلهم واتخاذ إجراءات صارمة بحقهم.

■ بخصوص العلاقة مع مصر، هل لا تزال العلاقة متوترة مع الجانب المصري؟
علاقتنا مع مصر استراتيجية، ومنذ تسلّم حكومة الكفاءات (التكنوقراط) للسلطة، زارت مصر عدة مرات. وأنا شخصياً زرتها حوالى ست مرات منذ تسلّمي حقيبة وزارة الخارجية. وفي هذا الإطار، أجدد التأكيد أن علاقتنا مع مصر يجب أن تكون استراتيجية ومتينة، فنحن نواجه التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ذاتها، كما نواجه خطر الإرهاب والجريمة المنظمة معاً. وبصرف النظر عن الاتجاهات السياسية لكل دولة، يجب علينا التشاور والتنسيق من أجل مواجهة التحديات التي ذكرتها. وعلى عكس ما تروّج له الصحافة عن وجود توتّر أو عداء، فإن علاقتنا وطيدة. لم يمض على آخر لقاء بوزير خارجية الشقيقة مصر إلا أسبوع تقريباً. وقد أجرت الصحافة المصرية معي حوارات للحديث عن تحسّن العلاقات بين البلدين.
صحيح أنه في السابق شهدت العلاقة توتراً، ولكن الآن تمكنّا من تحسين العلاقات وإزالة الخلافات، حتى مع دول أخرى، مثل السعودية التي أصبحت علاقاتنا معها طيبة. نرجو أن نحقّق ما أسمّيه ديبلوماسية الصفر مشاكل، وأن تكون علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة خالية من أي أزمات، وأيضاً إقامة مصالح مشتركة من دون التدخل في السياسات الداخلية للدول. اليوم صارت تجمعنا صلات ممتازة مع كل من قطر والإمارات ومصر وتركيا والمغرب والجزائر، تجاوزنا كل الخلافات.

■ يكثر الحديث في هذه الفترة عن أزمة ديبلوماسية مع مصر سببها انتقاد ممثل تونس في البعثة الأممية الدائمة لحقوق الانسان للوضع الحقوقي في مصر، ما تعليقكم؟
هذه محض مبالغة من الصحافة المصرية، سببها مداخلة ممثل تونس في البعثة الدائمة لحقوق الإنسان في جنيف. ولكنه لم ينتقد مصر، بل كان مجرّد «عتاب». وفي الحقيقة، فقد لمتُ ممثلنا على تدخله، ولكنه عرض لي ما جاء في مداخلته، ولاحظت أنها لم تتضمن نقداً للسلطات المصرية. ولكن الصحافة المصرية أوّلت مداخلته وجعلت منه معادياً لمصر. شخصياً، لو كنت مكانه لتفاديت التدخل في شأن الوضع الحقوقي في مصر، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة التونسية لتجاوز الخلافات وتحسين العلاقات مع مصر وتعزيزها، فلا داعي لنقد في غير محلّه.

■ لكن في المقابل هناك شخصيات سياسية مصرية (على غرار نجيب سويرس) تدخلت في الشأن التونسي وحاولت توجيه الناخبين؟
أنا لم أطّلع على فحوى المقابلة التلفزيونية التي أجراها سويرس، ولكن المبدأ العام هو رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم السماح لها أيضاً بالتدخل في الشأن التونسي. وهذا مبدأ تونس في الديبلوماسية التي تعتمدها، وهي الديبلوماسية الهادئة والرصينة، التي تحترم سيادة الدول وتطالب باحترام سيادتها.