القاهرة | للمرة الأولى، تصادفت أن أحدثت أربعة تسريبات لقادة عسكريين مصريين ضجة كبيرة بسبب تصادفها مع استمرار تداعيات الحكم الأخير على الرئيس المخلوع، حسني مبارك، والاحتجاجات المستمرة عليه، وذلك في ظل اتهام القضاء بأنه أداة تنفيذية في الدولة. فيوم أمس، أذاعت إحدى القنوات الفضائية التي ترفع شعار «رابعة» الخاص بجماعة «الإخوان المسلمون» أربعة تسجيلات مسربة بين قادة عسكريين يناقشون كيفية تغيير صفة مكان احتجاز الرئيس المعزول، محمد مرسي، من مكان تابع للقوات المسلحة، إلى سجن تابع لوزارة الداخلية، وذلك للتغلب على ثغرة قانونية قد يستغلها دفاع مرسي.
وتظهر التسجيلات مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، اللواء ممدوح شاهين، وهو يتحدث إلى قائد القوات البحرية، اللواء أسامة الجندي، ويطلب منه تخصيص مبنى لاحتجاز مرسي داخله، توضع عليه لافتة تشير إلى أن المبني سجن تابع لـ«الداخلية»، وليس مبنى تابعاً للقوات المسلحة. هذا الطلب، وفق القناة، جاء بعدما اكتشف النائب العام وعدد من وكلائه ثغرة قانونية قد تؤدي إلى الإفراج عن مرسي، لذلك طالب اللواء شاهين بحلها، وقد ظهر القلق في نبرة صوته وهو يتحدث في التسجيلات مع وزير الداخلية، محمد إبراهيم، مطالباً إياه بإصدار قرار بتاريخ قديم يفيد بأن المبنى الذي احتجز فيه الرئيس المعزول فيه تابع لوزارة الداخلية، وليس الدفاع.
وتكاد التسجيلات الأخيرة تكون الأخطر من حيث المحتوى والتوقيت، وأيضاً لجهة درجة الاختراق. ففي التسريبين السابقين للرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يكن المحتوى على هذا القدر من الخطورة، ولم يشتمل الحديث على عمليات تزوير يشرف عليها قادة عسكريون بالتعاون مع قادة في الشرطة والقضاء. كذلك إن التسريبين السابقين كانا في اجتماعات عامة، والأول كان لقاءً بين السيسي وجنود وضباط القوات المسلحة. أما الثاني، فكان حواراً بين الرئيس الحالي ورئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم» التي اتهم أحد صحافييها، لاحقاً، بتسريب أجزاء من الحوار.
والتسريب، أمس، خرج عبر مكتب فضائية «مكملين» التي قالت إنه كان في مكتب قادة القوات في وزارة الدفاع، ويظهر فيه صوت شاهين والأصوات المحيطة به داخل المكتب بوضوح، فيما تختفي أصوات الأشخاص الذين تحدث إليهم اللواء عبر الهاتف، ما يرجّح أن التسجيل كان داخل المكتب وليس عبر أجهزة تنصت على الهاتف. لذلك، تبرز عدة تساؤلات عن صحة هذه التسجيلات والوقت الذي خرجت فيه، وخاصة بعد الحكم الأخير على مبارك ورموز نظامه، ورفع أوجه المقارنة في التعامل القضائي بين مبارك ومرسي، خاصة أن حركات ثورية أعلنت عودتها إلى التظاهر ومعارضتها النظام الحالي، في وقت رفضت فيه لجنة شؤون الأحزاب أوراق التأسيس لحركة «تمرد» وحزب «العروبة الديمقراطي» (تابع للفريق سامي عنان).
رسمياً، سرعان ما نفت عدة مصادر عسكرية صحة هذه التسجيلات، وقالت لوسائل الإعلام المحلية إنها «جرت باستخدام تقنيات صوت حديثة وعالية مثل التي تستخدم في الأفلام». ولاحقاً أمر النائب العام، هشام بركات، بفتح تحقيق موسع في ما وصفه بـ«المشاهد والأحاديث الكاذبة»، قبل بدء التحقيق أصلاً. وقال بركات في بيان، إن «جماعة الإخوان تستخدم أذرعاً إعلامية مدعومة من بعض الجهات الخارجية لاصطناع مشاهد مصورة وأحاديث هاتفية ونسبها إلى شخصيات عامة، من أجل إحداث بلبلة وزعزعة أمن المجتمع بعد اليأس الذي أصاب الجماعة ومحرضيها في التأثير بالقضاة الذين ينظرون في الدعاوى الجنائية ضد أعضائها».
في كل الأحوال، لا يستطيع أحد الجزم بصحة هذه التسجيلات، أو من أخرجها، لكن اختيار هذا التوقيت والسياق السياسي الحالي يدل على أن شيئاً ما لا يجري على ما يرام داخل المؤسسة العسكرية، كما يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حازم حسني، إذ يقول لـ«الأخبار»: «هناك شيء مكتوم داخل الجيش تظهر عليه إشارات بين حين وآخر، ربما كان السيسي يطلب من الجيش أشياء لا يوافق قادته عليها، أو قد يكون أرهق الجيش»، طارحاً احتمالاً آخر، هو أنه ربما كان «قادة الجيش يريدون النأي به عن أي إخفاق سياسي قد يقع فيه الرئيس، وخاصة أنه لم يستطع تحقيق الاستقرار الداخلي حتى الآن، ما يرجّح فكرة التضحية ببعض القيادات».

للاستماع إلى التسريبات أضغط هنا