البصرة | تظاهرات عدّة شهدتها المحافظة للمطالبة بإعلانها إقليماً. خرج العشرات من منتسبي القطاع النفطي للمطالبة بمنح حقيبة وزارة النفط للمحافظة. ورغم تباين مواقف القوى السياسية في البصرة بشأن تطبيق الفدرالية، حيث تعارضها بعض الأحزاب والحركات، فيما تؤيدها أخرى بنسب متفاوتة، لكن الغالبية السياسية تطمح إلى تشكيل إقليم فدرالي.
والملاحظ أن عدداً من المسؤولين المحليين يؤيدون مشروع الإقليم في الخفاء، لكنهم يرفضون الإفصاح عن آرائهم في هذا الصدد في العلن، لكونها تناقض مواقف أحزابهم وحركاتهم التي توجد قياداتها السياسية في العاصمة، علماً بأن جهود البصرة، لنيل الاستقلال الذاتي، تعود إلى عشرينييات القرن الماضي، وبالتحديد إلى عام 1921، عندما قدّم عدد من رجال الدين وشيوخ العشائر والسياسيين والتجار البصريين طلباً، يحمل تواقيعهم، إلى الحكومة البريطانية جاء فيه: لا يرغب أهالي البصرة في شيء غير الخير لأهالي العراق، ولا شيء أحب إليهم من أن يسيروا جنباً إلى جنب على أسلوب تعود منه الفائدة على الفريقين، وعلى العالم عموماً، ولكنهم يعتقدون بأنه لا يمكن الوصول إلى هذه النتيجة إلا بمنح البصرة استقلالاً سياسياً منفصلاً. وطالبوا بإعلان البصرة دويلة خليجية تخضع للحماية البريطانية، على غرار الكويت المجاورة، إلا أن البريطانيين تجاهلوا هذه الدعوات، انطلاقاً من رغبتهم في وجود حكومة مركزية قوية في بغداد.
في حديث إلى «الأخبار»، يقول النائب عن محافظة البصرة، محمد الطائي، إن «إقامة الإقليم تعدّ ضرورة لتنظيم الثروة والسلطة في أي بلد تكون فيه الحكومة الاتحادية فاشلة في أدائها وإدارة البلد»، مشيراً إلى أن الدستور حدّد المطالبة بإقامة الإقليم، «إمّا بتصويت ثلث أعضاء مجلس المحافظة بنعم، أوبـ10% من الناخبين في هذه المحافظة أو تلك، وهذا لا يعني 300 ألف، وإنّما من يحق لهم التصويت، وهم أقل من ذلك بكثير، إضافة إلى وصول الاقتناع عند أهل البصرة بذلك، لأنهم المعنيون بالأمر».
من جانبه، يؤكد رئيس اللجنة القانونية في مجلس محافظة البصرة، أحمد عبد الحسين، لـ«الأخبار»، أن «مسألة إقامة الإقليم هي أمر دستوري نصّ عليه الدستور العراقي، وقد تمّ الاستفتاء الشعبي على الدستور، وبالتالي يحق لمحافظة أو أكثر إذا ما اتفقت، أن تعلن نفسها إقليماً، كما حصل مع إقليم كردستان العراق».
ويضيف أنّ «الدستور العراقي نصّ على أنّ جمهورية العراق هي جمهورية اتحادية فدرالية، بمعنى أنها تتكون من عاصمة وعدد من الأقاليم، ولذلك فالمسألة دستورية وقانونية ولا خلاف عليها»، لافتاً، في هذا السياق، إلى أن «هناك شروطاً يجب أن تتوافر في الأقاليم عندما تريد المحافظة أن تعلن نفسها إقليماً، أهمّها أن يكون إجماعٌ وإرادة سياسية وشعبية باتجاه إعلان الإقليم».
ولدى استخدام مصطلح «الفدرالية»، فجدير بالذكر أن الدستور العراقي لا يشير إليها، بل ينص في المادة الأولى منه على أن «جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديموقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق». ويقول في المادة 116: «يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لامركزية وادارات محلية». ويشير في المادة 119 إلى أنه «يحق لكل محافظةٍ أو اكثر تكوين إقليمٍ بناءً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين: أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم». ويبقى أن المادة 118 كانت تلفت إلى أنه «يسن مجلس النواب في مدةٍ لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسةٍ له قانوناً يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم، بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين».
عموماً، يتابع عبد الحسين قائلاً إن «حلّ المشاكل التي تعاني منها المحافظات، ومنها البصرة، يتمحور حول الصلاحيات واللامركزية، فالحكومة الاتحادية تتجه نحو سحب الصلاحيات من الحكومات المحلية التي منحها لها قانون مجالس المحافظات، رقم 21، حيث نصّ هذا القانون على صلاحيات واسعة للحكومات المحلية ومجالس المحافظات، وضمِنَ نقل هذه الصلاحيات من بعض الوزارت الخدمية إلى الحكومات المحلية غير المنتظمة بإقليم».
ويوضح رئيس اللجنة القانونية في معرض حديثه أنّ «غالبية الموجودين في مجلس الوزراء يطالبون بسحب الصلاحيات من الحكومات المحلية، والعودة إلى المركزية التي عانينا منها كثيراً، والتي ستفشل تجربة الحكومات المحلية، وتؤخر عملية البناء والإعمار في المحافظات العراقية، وبذلك تصبح الحكومات المحلية فاقدة للصلاحيات. ولذا أعتقد أن الحل الأمثل لهذا الموضوع هو إنشاء الإقليم، شرط ألا تكون هذه الأقاليم مبنيّة على أساس طائفي أو عرقي، بل على أساس إداري وضمن سلطة مركزية اتحادية قوية ذات سيادة كاملة، وتكون هذه الأقاليم في خدمة الحكومة الاتحادية، تقدّم، من خلال ما تملك من صلاحيات مالية أو إدارية، خدمة للمواطن العراقي من دون العودة في كلّ صغيرة أو كبيرة إلى الحكومة الاتحادية».
وشكلت الأوساط الشعبية الشبابية في البصرة العديد من المنظمات والتجمعات الداعية إلى إعلان المحافظة إقليماً، منها تجمّع «أبناء إقليم البصرة». ويقول أحد مؤسّسيه: «البصرة مظلومة وحقوقها مسلوبة، والمواطن البصري يشكو وينازع، رغم أنّ مدينته من أغنى مدن العالم، ولكنّه لم يستفد من خيرات هذه المدينة. والمستفيد الوحيد هم السياسيون، وأصحاب الشأن، والمدن الأخرى التي تقتات خيراتنا دون حساب»، مناشداً البصريين أن «ينتموا إلى هذا التجمّع، لنتمكن من خلاله من استعادة كلّ حقوقنا، وإن كان الهدف صعباً بعض الشيء، ويحتاج إلى تكاتف الجميع لتحقيقه من أجل تحقيق أملنا، وهو إقليم البصرة».
هي المنفذ الوحيد للعراق على الخليج والمركز الذي تنطلق منه معظم الصادرات النفطية

الإعلامية نجاح محمد، من البصرة، تتضامن مع المطالبين بجعل المحافظة إقليماً، لكنها ترجّح تأجيل الأمر في الوقت الحالي، مؤكدة أنّ: «إعلان محافظة البصرة إقليماً هو حقّ كفله الدستور والقانون، لكن الوقت غير مناسب الآن، وأنا لا أتفق مع الذين ينادون الآن بإنشاء إقليم البصرة، لأن الظرف الذي يمرّ به العراق، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لا يسمح بذلك، خصوصاً في ظلّ سيطرة عصابات داعش الإرهابية على بعض المدن والمحافظات العراقية».
وبحسب بعض التقارير، هناك شكاوى متكررة في البصرة، التي تتميز بأهمية إستراتيجية، حيث يبلغ عدد سكانها قرابة 3 ملايين نسمة، ما يجعلها ثاني أكبر محافظة في البلاد من حيث عدد السكان، وتضمّ نحو 70% من احتياطيات النفط المؤكدة في العراق، والبالغة 143.1 مليار برميل. وتعتبر المحافظة العراقية الوحيدة المطلة على الخليج، وتشترك في حدودها مع الكويت وإيران، وهي المنفذ الوحيد للعراق على الخليج، والمركز الذي تنطلق منه معظم الصادرات النفطية للبلاد البالغة نحو 1.9 مليون برميل يومياً.
ورغم ذلك، تبدو كأنها مدينة سقطت من ذاكرة التاريخ، حيث دمرتها الحروب المتلاحقة، بداية من حرب 1980-1988 مع إيران، مروراً بغزو الكويت، وحرب تحرير العراق عام 2003. وعلى أطرافها تتكدس مستوطنات سكنية للمعوزين، وتغطّي شوارعها أكوام القمامة وتغمرها مياه الصرف الصحي، وتعاني بعض أحيائها من نقص في إمدادات المياه والكهرباء.
ولكن مع ذلك يعد النفط بمستقبل مزدهر للبصرة؛ فمن بين الاتفاقيات المرتبطة بالنفط والغاز الطبيعي، المبرمة مع شركات خاصة، والبالغ عددها، حتى الآن، منذ العام الماضي 15 اتفاقية ـ وهي الأولى من نوعها منذ أكثر من ثلاثة عقود ـ تتعلق ستّ منها بحقول في محافظة البصرة، وحال تمتعها بالاستقلال الذاتي، بمقدور المحافظة الحصول على نصيب أكبر من الأرباح النفطية، وأن يكون لها سلطة أكبر في تحديد كيفية استغلالها، كما أن ذلك سيضمن لها حصة أكبر من الميزانية التي توزع على المحافظات لتمويل جهود الإدارة المحلية.