بالتزامن مع الضجة الإعلامية المفتعلة حول مجيء قوات سعودية إلى تركيا لدخول سوريا، فوجئ الجميع بالقصف المدفعي التركي لمواقع «قوات سوريا الديمقراطية» التي لعبت أنقرة دوراً أساسياً في تشكيلها العام الماضي، بعد فشل المشروع الأميركي في تدريب وتجهيز عناصر المعارضة «المعتدلين». وجاءت المفاجأة الثانية عندما لم يصدر أيّ بيان رسمي من رئاسة الأركان حول هذه الموضوع العسكري، الذي اعتبره رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو «قضية قومية كبرى». وتوعّد داوود أوغلو مسلحي «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» الكردية بردّ الجيش التركي على أيّ استفزاز مصدره سوريا، من دون أن يحدد ماهية هذا الاستفزاز.
ويأتي ذلك بعد سيطرة الأكراد وحلفائهم على مطار منغ القريب من أعزاز الحدودية، إثر معركة مع «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وفصائل حليفة لهما. وقد استغل داوود أوغلو والمسؤولون الاتراك هذا القصف لرفع معنويات المواطنين الاتراك والجماعات المسلحة، عبر مشاهد جميلة للمدفعية التي قصفت المواقع الكردية. إلى ذلك، اعتبر مراقبون القصف المدفعي إشارة من أنقرة لواشنطن التي تدهورت علاقاتها مع الرئيس رجب طيب أردوغان بعد اتهامه أميركا بدعم «الوحدات» بهدف إقامة دولة كردية مستقلة في الشمال السوري.
وتفيد المعلومات بأنّ المدفعية التركية ستواصل قصف المواقع الكردية لمنع تقدمهم باتجاه أعزاز وجنوباً باتجاه تل رفعت، وهما أهم المواقع الأخيرة للمجموعات المسلحة في ريف حلب الشمالي. كذلك، تراهن بعض الأوساط على مغامرة تركية مُحتملة لحماية المجموعات الارهابية، بعد أن خسرت معظم ريف اللاذقية الشمالي حيث اقترب الجيش السوري من النقطة الصفر على الحدود، في الوقت الذي يستمر فيه تقدم المجموعات الكردية والحليفة قرب الحدود السورية ــ التركية من ناحية حلب.
وتسعى أنقرة لضمان دعم الحليفين السعودي والقطري من خلال الحديث عن سيناريوات لعمليات برية مشتركة في سوريا. وتحاول أنقرة خداع الرأي العام الداخلي والدولي في هذه المسألة، لتوحي كأنّ الجيش التركي يستعدّ لحرب فعلية في سوريا.
لكن، يعرف الجميع أنّ الطائرات السعودية سترابط في قاعدة أنجرليك الأميركية لا في قاعدة تركية، وستكون تحت قيادة الجنرالات الأميركيين المشرفين على عمليات قوات «التحالف ضد داعش» في سوريا والعراق. وهو ما يعني أنّ الطائرات السعودية ــ ولاحقاً القطرية وحتى التركية ــ ستقوم بعمليات جوية مشتركة ضد أهداف «داعش» في سوريا، ولاحقاً العراق، مع اقتراب موعد تحرير الموصل، وهو ما قد يتطلب عمليات برية محدودة في إطار التفاهم الروسي ــ الأميركي في سوريا.
وسعت أنقرة، أيضاً، عبر التحالف مع قطر والسعودية إلى عرقلة هذا التفاهم عبر الضغط على وفد المعارضة السورية للانسحاب من «جنيف 3»، كما تسعى لتصعيد الوضع الأمني والعسكري على الحدود مع سوريا، بما في ذلك استفزاز الجيش الروسي، كما جرى خلال إسقاط طائرة «السوخوي» في ٢٤ تشرين الثاني الماضي. من جهته، عبّر زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليجدار أوغلو، عن قلقه وتخوّفه من مغامرة أردوغان المُحتملة، وقال «إنّ ما يهم أردوغان هو السلطة فقط، وهو مستعد لتدمير تركيا». ووصف، عبر حسابه على موقع «تويتر»، مساعي أردوغان للتحالف مع «السعودية المتخلفة» بأنّها لطخة عار في جبين الأمة والدولة التركيتين. وناشد الشعب التركي أن يكون يقظاً للتصدي لمغامرات أردوغان ومؤامراته، والذي «همّه ليس اللاجئين السوريين بل هو يستخدمهم كورقة مساومة مع العواصم الغربية».