غزة | من المعروف أن غزّة من أقدم مدن العالم، وهي المدينة التي شهدت حقباً تاريخية قديمة، بدءاً من الكنعانيين وانتهاءً بالعثمانيين. مع ذلك، فغزة اليوم عاجزة عن حفظ ما بقي من آثارها التي تعاني عوامل التعرية، وتداعيات المنخفضات الجوية، ولا تجد من يهتم بهذا التراث الإنساني ويمنحه الاهتمام اللائق.
وبينما يؤكّد متخصصون أن المباني الأثريّة في القطاع تحيق بها الأخطار جرّاء صعوبة ترميمها بسبب الحصار و«قلّة التمويل»، ترى مسؤولة «الدراسات والأبحاث» في وزارة السياحة، هيام البيطار، أنّ «الخطر الذي يتهدد البلدة القديمة في غزة التي تحوي أكبر عدد من البيوت الأثرية، لا يزال قائماً»، وتتابع حديثها: «هناك عدد من المنازل يزيد عمرها على 150 عاماً وينقصها التمويل لإعادة الترميم، لأنها تحتاج وسائل خاصّة تعيدها إلى شكلها القديم الذي يرجع إلى الحقبتين المملوكيّة والعثمانية».
في غزة 147 مبنى أثرياً منها 94 بيتاً و8 مساجد، لكن 25 تضررت في الحرب


منعت إسرائيل دخول خبراء أجانب للمساعدة في ترميم بعض الكنائس

هذه المواد الخام يجب أن تشابه تلك التي استخدمت في البناء الأول، كالفخّار، والإسمنت الأبيض، والفحم والرمل، إضافة إلى المياه المقطّرة. وتشير البيطار إلى أنّ تلك المنازل تعاني الرطوبة المرتفعة، والأملاح والشروخ والتسريب، «لكن يجري ترميم بعضها حالياً، ويشرف على ذلك مرمّمون فنيون تدربوا على تقنيات الترميم».
أما الحرب الأخيرة، فأضرت بخمسة مبانٍ أثريّة مباشرةً، وتصدّع عشرون بيتاً أخرى، فيما يحذر المتخصصون من ترك هذه المنازل لمصيرها، أي الانهيار».
وتذكر المسؤولة في وزارة السياحة أنّ عمليات الترميم كانت سابقاً تجري على أيدي خبراء أجانب، «لكن إسرائيل منعت دخولهم إلى القطاع، وكذلك منعت إدخال الإسمنت الأبيض اللازم لإعادة هيكلة تلك المنازل على الطراز القديم».
وما يصعب العمل بمناشدة «السياحة» إنقاذ التراث، أن عملية الإعمار الخاصة بآلاف العائلات في غزة لم تسر بعد وفق الخطط الموضوعة، والآن يأتي فصل الشتاء ليزيد الطين بلة على أكثر من 147 مبنى أثرياً، «مكونة من 94 بيتاً، و8 مساجد، والباقي كنائس وأسواق وقصور وأسبطة ومدارس أثرية».
والمباني الأثريّة في غزة تعيبها البنية الضعيفة، لأنها صنعت من مواد بدائيّة ظلت تتعرض لعوامل التعرية على مرّ السنين، كذلك كانت «قلة الوعي السكّاني» أحد الأسباب التي أدّت إلى اندثار جزء كبير من المعالم الأثريّة في القطاع، فالكثير من أصحاب تلك البيوت رمموها بطرق غير صحيحة، مستخدمين مواد لا تتناسب مع البيوت القديمة، كالإسمنت الأسود. وأيضاً أدّى بناء البيوت الحديثة بجوار الأثرية إلى انتقال الرطوبة إلى الأخيرة، الأمر الذي أسهم في إضعافها وتآكلها.
وتضم البلدة القديمة في غزة أحياءً سكنية مكتظة (الزيتون، والشجاعيّة، والتفاح) اضطر بعض فقرائها إلى السكن في بيوت أثرية تعود إلى العصر العثماني، فيما الأخرى يقطنها أغنياء ورثوها عن أجدادهم أو اشتروها بأسعار كبيرة.