القاهرة | لم تطل كثيرا المدة الفاصلة بين قرار النائب العام المصري السابق، المستشار عبد المجيد محمود، بحبس الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ونجليه في نيسان 2011، حتى صدور قرار البراءة بحق مبارك والابنين ووزير داخليته مع مسؤولين أمنيين آخرين. فثلاث سنوات ليست طويلة أمام ثلاثين عاما حكم فيها مبارك، وكانت شفيعا له حتى استخدام مذيع قناة صدى البلد مسمى «سيادة الرئيس» في المداخلة الصوتية الأولى له بعد «البراءة».يبدو أن النائب السابق، محمود، حمى منصبه لأكثر من 15 شهراً بقرار حبس مبارك، وذلك في ظل مطالبة الشباب الثوريين بإقالته لأنه من رموز النظام السابق، وظهر بعد الحكم، أول من أمس، أن سجن مبارك كان حماية وفرها محمود.

وصحيح أن النائب العام محصن من العزل وفقا للقانون، لكن المدة التي أعقبت تنحي مبارك وتسليم السلطة للمجلس العسكري، برئاسة المشير حسين طنطاوي، عُطل فيها العمل بالدستور (كان يمكن فيها إجراء المحاكمات الثورية)، كما جرى حل البرلمان، وهي المرحلة التي استمرت نحو شهرين حتى التعديلات التي أدخلت على الدستور مع استفتاء 19 آذار.
انتهت المحاكمة بسرعة «قياسية» مقارنة بغيرها، كما كلفت 15 مليون دولار

وبعد إقرار التعديلات الدستورية، انتهى المجال الزمني الذي كان يمكن فيه التخلص من رجال مبارك في القضاء عبر المحاكمات الثورية التي طالب بها من كانوا في ميدان التحرير، وبقدرة قادر تحول مبارك من متهم بإفساد الحياة السياسية والمسؤول (سياسياً على الأقل) عن الجرائم التي وقعت خلال توليه السلطة، إلى متهم في قضايا لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، وظل يأخذ فيها البراءات تباعاً.
من هنا بدأ اللعب على القصور في القوانين والتشريعات ليفتح المنافذ لمبارك. وما لم يدركه المصريون آنذاك أن النائب العام، الذي عينه مبارك وأشرف على التحقيقات معه، هو نفسه الذي منحه صك البراءة، فالنيابة التي باشرت التحقيقات في قضايا قتل المتظاهرين لم تُحِل مبارك ضمن هذه التهمة، قبل أن تقرر تحت ضغط الشارع إحالته إلى المحاكمة «الجنائية» بأدلة إدانة كانت براءته جاهزة فيها سلفاً، وهو إجراء لم يفهمه غير المتخصصين في الشأن القضائي.
ومن المعلوم أن إجراءات التقاضي أمام المحاكم الجنائية في مصر تكون على ثلاث درجات، الأولى في محكمة الجنايات، ثم تحال إلى دائرة جنايات أخرى إذا وافقت محكمة النقض على الطعن بالحكم. أما الدرجة الأخيرة فهي أن تنظر محكمة النقض بنفسها في القضية ليكون حكمها نهائياً. وفي حالة مبارك سيكون على النيابة العامة أن تطعن في أحكام البراءة أمام محكمة النقض، فإما أن تقنع المحكمة بقبول الطعن وتعاد المحاكمات أمام النقض، وإلا فستعتمد البراءة نهائيا، فيما المفترض أن تستغرق آلاف القضايا أمام «النقض» شهورا وسنوات لتحديد موعد لها والفصل فيها.
وتذكر مصادر قضائية أن محاكمة مبارك كلفت خزانة الدولة أكثر من 15 مليون دولار دفعت في مستشفى سجن طره ثم مستشفى شرم الشيخ الدولي والمجمع الطبي العالمي ومستشفى المعادي، وكلها مستشفيات عسكرية خضع فيها الرجل لمعاملة مميزة مرتبطة بحرية الزيارة والحديث بالهاتف على خلاف لوائح السجون المصرية، وكان ذلك يجري حتى في زمن الرئيس المعزول، محمد مرسي.
والآن، توضح مصادر قضائية لـ«الأخبار» أن مبارك يبقى له شهران تقريباً للخروج من السجن، إذ سيجري احتساب المدة التي قضاها محبوساً خلال السنوات الماضية (3.5) ضمن عقوبة الحبس بثلاث سنوات التي قررتها المحكمة في قضية القصور الرئاسية، كما سيجري استبعاد 9 أشهر تقريباً نظراً إلى إخلاء سبيله خلالها. وعرضت تلك المصادر سيناريوهين لبقاء مبارك في السجن بعد انتهاء حبسه، «الأول مرتبط بوضعه تحت الإقامة الجبرية في حال فرض الطوارئ وفقا للقانون، أو حبسه على ذمة قضايا أخرى، لكنهما خياران مستبعدان كليا».
في السياق، يلفت رئيس محكمة الجنايات الأسبق، المستشار رفعت السيد، النظر إلى أن المحكمة لم تبرئ مبارك من قضية الرشوة من رجل الأعمال حسين سالم، «لكنها أمرت بانقضاء الدعوى الجنائية نظراً إلى سقوطها بالتقادم، وهو ما دفع رئيس المحكمة إلى مخاطبة المشرع من أجل تعديل التشريع حتى لا تسقط قضية الرشوة بالتقادم». ولفت السيد، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن استناد القاضي إلى عدم وجود وجه لإقامة الدعوى ضد مبارك «راجع إلى خطأ إجرائي من النيابة العامة في عدم إدراج اسمه ضمن المتهمين عند صدور لائحة الاتهامات الأولى».
وكانت المفاجأة التي فجرها قرار المحكمة في قرارها، أنه «لا وجه لإقامة الدعوى ضد مبارك في قضية قتل المتظاهرين»، هي البند نفسه الذي دفع به محامي مرسي في قضية اتهام الأخير بالتحريض على قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية خلال التظاهرات الرافضة للإعلان الدستوري نهاية 2012، إذ أكدت النيابة أولا أنه لا وجه لإقامة الدعوى، لكنها لاحقا استخدمت القضية كأبرز الأحداث المتهم فيها مرسي. كذلك تقرر، أمس، أن تستأنف محكمة جنايات القاهرة قضية اقتحام السجون إبان ثورة 25 يناير، والمتهم فيها مرسي مع 130 آخرين.
أما نجلا مبارك، فبخلاف قضايا التلاعب بأوراق البورصة المصرية، فلم يعد لديهما أي قضايا أخرى لمحاكمتهما عليها خلال المرحلة الحالية، ما يمهد لخروجهما من السجن في غضون أشهر قليلة بعد انتهاء حبسهما في قضية القصور الرئاسية، التي تنظر محكمة النقض في الطعن المقدم فيها من محامي الاثنين، فريد الديب، خلال شهر كانون الثاني المقبل.