القاهرة | يقول المذيع في «القناة الأولى» إن «الجماعات الإرهابية» التي تخطط لتظاهرات 28 تشرين الثاني الجاري، تقف وراء الزحام المروري، الذي يضرب القاهرة منذ أيام.الأداء المسرحي الباهت للمذيع المغمور، وهو يحاور المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية المصرية، اللواء هاني عبد اللطيف، عن الاستعدادات الكبيرة لتأمين الشوارع والميادين، يخفي ارتباكاً يضرب مؤسسات الدولة قبل تظاهرات لم تغادر بعد فضاء الـ«فايسبوك». الكل ينتظر ما ستسفر عنه تظاهرات «المصحف والسلاح» التي دعت إليها «الجبهة السلفية»، المنضوية تحت «تحالف دعم الشرعية»، الداعم لجماعة الإخوان المسلمين.

قطار المبالغات لا يتوقف. أطراف من أجهزة الدولة تقول إنها ستكون تظاهرات «فشنك»، و«تافهة»، وأعدادها لن تزيد على عشرة أشخاص، أو مئة شخص على الأكثر، لكن الفضائيات الخاصة والحكومية، تعرض كل ساعة، استعراضات استثنائية لقوات الأمن المركزي. وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، قال بنفسه، إن «الرصاص هو الحل لمن سينزلون للتظاهر يوم 28 نوفمبر»، داعياً المصريين إلى التنزه في هذا اليوم في الحدائق والمسارح.
كلام متناقض يُظهر ارتباكًا، ويطرح أسئلة عدة: لماذا تخشى الدولة القوية الجاهزة، من تظاهرات «فشنك»؟ لماذا كل هذا التجييش الإعلامي، والصحافي، والرسمي، بشأن تظاهرات عادية؟ لماذا تخرج مؤسسة الأزهر لتقول إن «رفع المصاحف بالتظاهرات دعوة إلى جهنم وخيانة للدين والوطن»؟
الإجابة تُفصح عنها ألسنة «أحوال أيام الجمع» (أيام الجمعة من كل أسبوع) التي يخرج فيها الإسلاميون في أعقاب إطاحة انتفاضة شعبية الرئيس الإسلامي محمد مرسي. القادة الأمنيون قبيل كل يوم جمعة، يرددون كلاماً كبيراً بشأن ضآلة تأثير هذه التظاهرات، ويفشلون دائماً في مواجهتها، فتبقى الناس في بيوتها، وتختنق الشوارع، ويقع مصابون وقتلى، وتحترق منشآت، وتنفجر قنابل، ليست ضئيلة في التأثير المعنوي على رأي عام ملَّ من الكلام الفارغ عن الاستقرار.
وعلى رغم محاولات التقليل من شأن يوم الجمعة الحالي، إلا أن الحقيقة غير ذلك تماماً. الدولة في حالة طوارئ، الإعلام يصوّر الأمر على أنه معركة حربية، ولقاء قمة بين الخير والشر. الرأي العام المصري، في أغلبيته الكاسحة، منذ إطاحة مرسي، يكره الإسلاميين، لكنه في المقابل مُحبط من السلطة الجديدة التي تحكمه الآن. رأي عام ينتظر، ويتفرج على لقاء اليوم، عبر شاشات التلفزيون في البيوت.
على الأرض، تتقدم وحدات الجيش المشهد في القاهرة، والإسكندرية، وميادين أخرى. الوجود العسكري الكثيف أمام المنشآت العامة، يؤكد أن الأمر ليس كأي جمعة. كثافة القوات تتزايد في الساعات السابقة لتظاهرات الإسلاميين، وخصوصاً أن توقعات تشير إلى أن هذه التظاهرات قد تكون مدخلاً لتظاهرات أوسع، تسبق الحكم على الرئيس الأسبق حسني مبارك، في تهم إصدار أوامر بقتل متظاهري «ثورة 25 يناير»، وهناك كلام يُرجّح أن يحصل الرئيس المخلوع على البراءة.
وزارة الداخلية، تقول إنها جاهزة بالسلاح الحي، وهي رفعت درجة الاستنفار الأمني إلى الحالة «ج»، لمواجهة تظاهرات الجمعة. مصادر موثوقة تقول إن الجيش سوف يشكل غرفة عمليات مشتركة بين القوات المسلحة ووزارة الداخلية، لإدارة خطة تأمين البلاد خلال هذا اليوم، تحت إشراف الفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع، ووزير الداخلية، محمد إبراهيم.
الداخلية من ناحيتها، أعلنت في بيان رسمي، أنها قبضت على قادة «الجبهة السلفية» أثناء عقدهم اجتماعاً سرياً للتخطيط لإشاعة الفتنة والفوضى والعنف المسلح والتعدي على المنشآت العامة بالبلاد، في إحدى الشقق في حي مدينة نصر في القاهرة.
وأضاف البيان إن «القوات عثرت بحوزتهم على أوراق تنظيمية تتضمن مخططاتهم التى تسعى إلى إشاعة الفوضى والعنف المسلح، وإرهاق الشرطة وبث الرعب بين أوساط المواطنين والتخطيط للهجوم على المنشآت العامة والحيوية واستهداف رجال القوات المسلحة والشرطة، واتخاذ المساجد لإخفاء أدوات العنف والأوراق والمنشورات التنظيمية التي يعتزمون استخدامها خلال تحركهم».
الداخلية تعتمد خطة سرية، وأخرى أعلنت عن بعض ملامحها: «سنقوم بتأمين المدن والمنشآت العامة والحيوية من خلال وجود قوات الشرطة في الأماكن الحيوية وتأمين المنشآت العامة، في الوقت الذي ستكون فيه الميادين الرئيسية مفتوحة ولن تغلق».
التجييش على الناحيتين، صوته مرتفع. «انتفاضة الشباب المسلم»، قالت في بيان إنها تطالب بـ«خروج الجماهير في مليونية عقب صلاة فجر الجمعة ٢٨ نوفمبر الجاري، من كل مساجد الجمهورية، من أجل إعلاء الهوية ورفض التبعية وإسقاط الأنظمة العسكرية».
جماعة الإخوان، تتخذ موقفاً تكتيكياً من التظاهرات، يماثل تقريباً سيناريو مشاركتها الخجولة في الأيام الأولى لـ«ثورة يناير»: عدم مشاركة القيادات في الشارع، مع السماح للشباب بالنزول فرادى. هذا ما سيجري تقريباً يوم الجمعة. الجماعة المحظورة في مصر، قالت، في تسريبات منسوبة لها، إن القيادات لا يمكن أن تنزل إلى التظاهرات، حتى لا تتعرض للاعتقال، وإن مناصري الإخوان عليهم أن ينزلوا بكثافة، بشرط تغيير أماكن التظاهر، لتفادي الاعتقالات الأمنية.
الجماعة الإسلامية، إحدى القوى الرئيسية، التي كانت ترفع السلاح في مواجهة الدولة المصرية، في تسعينيات القرن الماضي، قالت إنها ستشارك في التظاهرات، «لأن الدولة أغلقت كل أبواب الحوار مع القوى المعارضة لها».
«الدعوة السلفية»، قالت إن الداعين إلى التظاهر تكفيريون، فيما اعتبرها «حزب النور»، دعوات صبيانية. وهاجم يونس مخيون، وهو رئيس «حزب النور»، «الجبهة السلفية»، وقال إن «السلفية براء منهم، وتلك دعوات هدامة ومصر تحتاج إلى الاستقرار».
«الأزهر»، يستشعر خطورة عنف يوم الجمعة، وهو على الخط مع الدولة. هذا الأسبوع، سيّر 244 قافلة دعوية في شتى أنحاء مصر، «لتوعية الشعب في جميع أنحاء الجمهورية بخطورة الدعوة لرفع المصاحف الجمعة المقبلة». وقال في بيان له إن «الوعاظ سيركزون على رفض التشريع الإسلامي لاستغلال القرآن الكريم في تحقيق أغراض سياسية أو أجندات معينة، والتأكيد على أنها دعوة باطلة يرفضها الشرع الحنيف، فوحدة الوطن وسلامته وأمنه واستقراره من مقاصد الشريعة. قراءة القرآن الكريم فريضة مطلوبة، لكن لو أدت إلى الخلاف فتركها أولى، ويكون الانصراف وقتها عن قراءة القرآن واجب، لأن المحافظة على وحدة الصف والمجتمع أهم من قراءة القرآن».