لا أعرف ما الذي كان يفكر به الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما أعلن مراراً وتكراراً، وبكل ثقة بالنفس أنه لن يسمح باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة..!
هل كان الرجل يعتقد فعلاً أن القرار الشعبي بيده؟ وأنه قادر على التحكم بضمائر الناس وبتحرك الجماهير وتهدئة الغضب إن اشتعل؟ وأنه بمقدور أجهزة أمن سلطته ملاحقة الناشطين في العمل ضد الاحتلال؟
لا أعرف اجابة دقيقة، كوني متأكد أنه يعرف أنه بات من المستحيل القدرة على التحكم بالشعب الفلسطيني في الداخل، خصوصاً أنه لم يعش في دولة فعلياً، فكل حياته احتلال، والسلطة لم تستطع أن تكون حتى مجرد دويلة.
المقدسيون بدأوا انتفاضتهم وثورتهم في آونة واحدة، انتفاضة على الاحتلال وثورة على القيادة الفلسطينية المتخلفة وطنياً والتي تجاوزها الشعب بمراحل. هكذا اصبحت كما هي اليوم، هي في مكان والناس في مكان آخر، يرون بدقة ويعرفون تماماً ما هو الحل مع شخص بوقاحة وعنصرية واجرام نتنياهو ورجالاته، بينما السلطة ما زالت تراهن على طاولة المفاوضات، وتظن عن كذب او عن اقتناع، ان الوزارات العاملة تحت مسمى دولة فلسطين، هي الأمل...
صديقي سيادة الرئيس محمود عباس، نحن حقاً نمشي إلى الأمام، وإنها لنصيحة أهديك إياها لوجه الله تعالى، كرمى لمحمد أبو خضير ويوسف راموني معتز حجازي، وغسان وعدي أبو جمل، كرمى للشهداء جميعاً، أصدر قرارك بحلّ السلطة، ودعنا نعمل. كرمى لشيبتك، كرمى لتاريخ سنكتبه نحن الفلسطينيين بدمنا، ونحفره على الحجر بأظافرنا، وأنت تعلم ككل القيادة الفلسطينية أننا قادرون... والرجاء مثله لحماس... كفوا عنا، فالناس تجاوزوا خلافاتكم مع فتح... وقد تعبنا منكم ومنهم، وأخشى أن يتخذ الشعب قراره بتحويل الانتفاضة إلى ثورة عليكم، لنتفرغ بعدها لمحتل، أنتم بانقسامكم تزيدون من غطرسته.
كرمى لشهداء غزة، الذين لم تحضروا لليوم ثمن دمهم (اي مطلب فتح كل من المطار والميناء)
وعليكم السلام.

بيروت- ايهم السهلي




تعال نحكي عن القدس

صديقي أيهم...
لم يعد الوقت وقت خطابات، ثمّ إننا شبعنا منها، ولا نرغب بالمزيد، وإن كان الأمر ملحاً للغايّة بنظرك ولا أحسبه كذلك، يمكنك العودة لأرشيف صاحبنا ناجي العلي، وسيتلو عليك التاريخ المجيد من أولّه لآخره.
وبالمناسبة لست بحاجة لمتابعة نشرات الأخبار، فالتاريخ يُعيد نفسه، وإن ألحّ عليك الحنين للخطابات "اللي هيه" كما يقول الاخوة المصريون، فعليك مشاهدة لقطات تشارلي شابلن الخرساء، أقلّها ستجلب المرح لقلبك المتعب، والمرح جيّد هذه الأيّام، فهو عملة نادرة جداً، اشترِ لقلبك بعضاً منه، وإن لم ترغب بذلك، اشترٍ ساعة واجمع فلسطينك داخلها، مثلما فعل والدي هو وأصدقاؤه، صنعوا ساعة ثُبّتت على رأس عقاربها أسماءهم وأسماء مدنهم، وكانت غزة وعكا وحيفا ويافا والقدس ونابلس والناصرة ومدن أخرى كثيرة توزّعت على عقارب الساعة، وحتى اللحظة مازالوا يحتفظون بها!
كلمّا تأملت تلك الساعة في يد أبي انتفض قلبي من مكانه إجلالاً لهذه اللحمة العجيبة، وكم تمنيّت لو تُتاح لي الفرصة لأصنع واحدة لي، لكن ذلك لن يتحقّق قبل أن أزور بلدات فلسطين مثلما فعل والدي خلال تجواله بين البلاد فيما مضى!
والقصة طويلة وعريضة وتحتاج إلى الكثير من اللوجيستيات والتصريحات، من هنا لا تستهن بأمر الساعة يا صديقي! الأمر هنا يُذكرني بمشهد تلفزيوني قديم، فيه يقف البكري مُمسكاً بعصاه يتأمّل جرّة العسل المعلّقة بسقف الغرفة، وأمامها أخذ يتلو أحلامه الكبيرة التي ستحققها له جرّة العسل فيما لو باعها بثمن جيّد، وأخذ يحلم ملوحاً بعصاه، ومن دون أن يدري كسر الجرّة، واندلق العسل على أرض الغرفة، وراحت أحلامه هباء منثورا!
لم أجد يوماً مشهداً معبراً كهذا المشهد: مضحك مبك بالوقت نفسه، لا بل إنني أحسب ان أبناء شعبي وبالرغم من مصابهم التاريخي المزمن جالب الحزن والتعاسة، الا انهم من أجدر الناس بأن يكونوا كوميديانيين، لا تراجيديين كما هو واقعهم. لأن الكوميديا السوداء هي افضل انواع التراجيديا!

غزة – تغريد عطاالله