هي أسطورةٌ أشبه بحياة كل فلسطيني. عند كل مفترق طرق يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام حائطٍ مسدود. هناك من سيخبرهم أن تيههم الكبير لن ينتهي، هناك من سيقول لهم بأنّهم إن لم يفعلوا كيت وكيت سيدخلون في المجهول، وسينقرضون وبأنَّ القادم "محتوم". يخترع الفلسطيني طريقه الخاص دائماً، كلما ضاقت السبل، وجد الفلسطيني مخرجاً خاصاً به، وجد جلجلته التي لا تشبه أحداً.
اليوم؛ اختار الفلسطيني سلاحه الأبيض، حينما وصل الناس إلى القتل بواسطة "الآلات" و"الطائرات" والدبابات والصواريخ الموجهة، عاد الفلسطيني إلى آلة الدفاع الأولى عن نفسه، أبسطها: السلاح الأبيض، البلطة، وأي آلة حادةٍ يمكن إيجادها في أي مكانٍ، في أي منزلٍ، في أي مكانٍ واضحٍ أو مخفي. طوّع الأشياء كي يستعملها كيفما يريد: تصبح السيارة لا وسيلة نقلٍ فحسب، بل وسيلة انتقام. عرف الفلسطيني أن لا طرق أمامه كي يحضر سلاحاً نارياً، فقرر أن يكون هو النار، وتكون الأشياء وسيلته ليأخذ بثأره من قاتليه ومغتصبي أرضه.
كيف ينتقم الفلسطيني؟ هكذا يفكّر الصهاينة اليوم، لا يفكرون كيف يمكن لجمه، أو تهدئته أو حتى القضاء عليه، بل يفكرون ماذا سيفعل تالياً، ماذا سيستعمل؟ حياتنا اليومية الحديثة مليئةٌ بالأشياء التي يمكن تحويلها إلى أداة انتقامٍ جهنمية. يعرف الصهيوني ذلك جيداً، ويفهمه، لذلك يعرف أيضاً أن الموضوع لايمكن أن يحل بالطريقة العادية. فالمنتقمون ليسوا "مخربين" أو "إرهابيين" – كما يدعوهم الصهاينة - هم معروفون ولديهم ملفات أمنية لدى قوى أمن العدو. هؤلاء هم أناسٌ عاديون للغاية، كانوا البارحة فحسب، يعملون بهدوءٍ للغاية في مكانٍ قريبٍ من الصهاينة، ويتلقّون ما يحصل لهم بأسلوب أقرب الى التسليم من دون أن يوحوا بأي أفكار قد تقود أحدهم الى سلوك انتقامي.
بذل الصهاينة جهداً كبيراً لفترة طويلة الأمد في إقناع كثيرٍ من فلسطينيي الداخل بأنهم ليسوا أعداءهم، وأنّهم بعيدون كل البعد عن التفكير في قتلهم، وأنّهم لا بد سيتعايشون ويعيشون في بلدٍ واحد، لا بل إنهم سيعيشون علاقات الود والقربى مع «أولاد العم». لكن ما نسيه كل هؤلاء أن الفلسطيني يعرف تماماً، مهما كان عمره، أنهم ليسوا بأصحاب الأرض، وبأنه حينما "يُجرب" بشكلٍ فعلي وحقيقي، فإنه لن يثور فحسب، بل سيستخدم روحه كسلاح، وبأنّه سيقوم بأكثر مما يجب عليه أن يقوم به: فينتقم ويأخذ منهم معه على قدر ما يستطيع. يأخذهم معه ولا يهم إن بقي حياً، ففي النهاية، المهم أن يحيا أهله وأولاده وشعبه رافعين رؤوسهم بشموخ.
لا أحد يعرف ما الذي قد يفعله الفلسطيني تحت الضغط المتزايد. هو هذا القلق الذي ينام عليه الإسرائيليون ويصحون.