مرّة أخرى تنكسر شوكة "داعش" في العراق. صورة التنظيم الأممي تُهشّم مجدداً في بلاد الرافدين. فبعد جرف الصخر، وبعد فك الحصار عن بيجي، لم يجد من بقي حيّاً، أمس، من عناصر "أبو بكر البغدادي" في مدينة جلولاء وناحية السعدية (محافظة ديالي والقريبة من الحدود مع إيران) إلا الهرب باتجاه تلال حمرين. تلك التلال التي تُعدّ بمثابة مركز عملياتهم، والتي طاردتهم نيران المهاجمين اليها.
دارت المعركة في محافظة ديالى (على بعد نحو 80 كلم من بعقوبة ـ مركز المحافظة و125 كلم عن العاصمة بغداد). مدينة جلولاء لناحية الشمال والسعدية جنوباً، المسافة بينهما نحو 14 كلم فقط، ما يعني أنهما منطقة واحدة تقريباً. المسافة الفاصلة عن الحدود الإيرانية نحو 50 كلم. تلك المنطقة تٌعدّ بمثابة المدخل إلى كردستان شمالاً.

وكما حصل في المعارك السابقة، كان لخبراء وضباط من فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني دورهم في التخطيط وإدارة الجانب المعلوماتي والإشراف على الجانب العملياتي أيضاً.
بدأت العملية عند الفجر. انطلقت قوات الحشد الشعبي العراقي من الجهة الجنوبية والشرقية، وقوات البشمركة الكردية من الجهة الشمالية. هجوم من 3 اتجاهات، وكل اتجاه يتفرّع منه عدّة محاور (خرق وتطويق). تولت قوات البشمركة الجهة الشمالية لجلولاء، أما الجهة الشرقية فكانت على عاتق الحشد الشعبي (سرايا الخرساني).
أما السعدية، والقرى المحيطة بها، فتولاها الجيش والشرطة الاتحادية وقوى الحشد الشعبي (منظمة بدر وعصائب أهل الحق) من كافة الاتجاهات. تم استهداف عشرات الآليات لـ"داعش" بصواريخ موجّهة، كذلك فُجّرت عربتا هامر مفخختين، كانتا قادمتان لتنفيذ عمليات انتحارية.
شارك 500 من أبناء عشيرة الزركوش في ديالى في القتال إلى جانب الحشد الشعبي والبشمركة بإشراف إيراني

دارت المعارك طوال ساعات النهار، وعصراً، عن الساعة الثالثة والنصف، ظهرت النتائج: انهيار تام في صفوف "داعش". سقوط عناصره بالعشرات وفرار الباقين، إحراق آلياته، واستيلاء المهاجمين على ما خلّفه من عتاد وأسلحة.
كان التنظيم قد أعدّ مسبقاً للمعركة، فتحصّن بعض عناصره، خاصة القناصة، في مبان عالية، لكن سرعان ما وصل المهاجمون إليهم. وشهدت المعركة قتال شوارع. تحررت ناحية السعدية أولاً، بعد تحرير قرى مجاورة، لتدخل بعدها جلولاء في حصار من كافة النواحي، في ظل تكتيك حربي قام على قضم المساحات، ما أدّى في النهاية إلى انهيار دفاعات مسلحي "داعش". لم تنفع عشرات العبوات الناسفة التي زرعها التنظيم، على عادته، إذ استمر تفكيكها إلى ما بعد انتهاء المعركة. محصّلة العمليات في ديالي، أمس، كانت: استعادة جلولاء والسعدية، وهما مدينتان كبيرتان، إضافة إلى بلدات صغيرة مثل الربيعة ومحمد حيدر وبني ويس ومرجانة الصغرى ومرجانة الكبرى، إضافة إلى معسكر كوبرا. كل هذا يعني عملياً فتح طرق، جدّاً مهمّة، لاستكمال العملية في منطقة الطبج، حيث تركزّت مجاميع "داعش" الفارة.
أصبح الآن مجرى النهر في كل ديالى خالياً من أي قواعد للتنظيم، النهر الذي رمى "الداعشيون" العشرات من قتلاهم فيه، وقد بلغ عددهم بحسب المصادر نحو 150 "داعشياً". هكذا، استعادت محافظة ديالى جزءاً استراتيجياً منها، فهو كذلك لقربه من الحديد الإيرانية، نسبياً، وانفتاحه على مناطق محافظة صلاح الدين، وبالتالي أزيل التهديد عن بعقوبة (مركز المحافظة) والتي كان سيُشكّل سقوطها خطراً كبيراً على العاصمة.
الطائرات الحربية العراقية شاركت في المعركة، على نحو فاعل، بحسب ما نقلت المصادر، في مقابل عدم مشاركة طائرات ما يُعرف بالتحالف الدولي.
أكثر من ذلك، ذكرت المصادر أنه أثناء المعركة، انتبه بعض من في الميدان إلى حاويات رمتها طائرات أجنبية، على الأرجح أميركية، سقطت في النقاط التي كان ينتشر فيها عناصر "داعش". ربما الأمر يشبه ما حصل قبل مدّة في عين العرب ـ كوباني السورية، حيث أعلن أن طائرات أميركية رمت بعتاد حربي من الجو، على أساس أن يتناوله المقاتلون الأكراد على الأرض، بيد أن عناصر "داعش" سيطروا عليه!
ربما لا تزال هناك بعض الجيوب الداعشية، خاصة عند أطراف جلولاء (حوض حمرين)، وذلك لأن المنطقة كانت تُشكّل بيئة حاضنة لهم، ولكن في المحصلة يمكن التأكيد أن المدينة تحررت ميدانياً. لم يعد لـ"داعش" في محافظة ديالى قوّة تُذكر. في الآونة الأخيرة تضاءلت "البيئة الحاضنة" للتنظيم، في جلولاء ومحيطها تحديداً، بعدما تلقى الناس صفعات "داعشية" كثيرة.
ويمكن القول إن قضاء كلار شمالاً أصبح آمناً، وكذلك قضاء خانقين شرقاً، بعدما كان طريق السعدية ـ خانقين قد حُرّر الأربعاء الماضي.
وكشفت مصادر عراقية أن عشيرة زركوش قدّمت نحو 500 من أبنائها للمشاركة في قتال التنظيم. العشيرة ذاقت الأمرّين من داعش، وقتل منها العديد من أبنائها ودمرت منازلهم، حتى وصل الامر بهؤلاء الى إعلان أن هذا التنظيم "لا يمكن أن يُحتمل العيش معه".

يُذكر أن "داعش" كان سيطر على مدينة جلولاء في شهر آب الماضي، بعدما شنّ هجوماً واسعاً على المناطق الواقعة تحت سيطرة البشمركة، تحديداً في نينوى وديالى. أما ناحية السعدية، فسيطر عليها في شهر حزيران الماضي، ضمن هجوم واسع خوّله السيطرة على مساحات شاسعة في شمالي العراق وغربيّه.
.