… ويقول الخبر إن الفلسطيني العائد (أي خارج فلسطين) الموجود في لبنان، لن يحج هذا العام بقرار من الملك السعودي. هذا هو الخبر بشكله المباشر والعاري. بدأ الخبر انتشاره على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتقل إلى أحياء المخيمات المنتشرة على الأراضي اللبنانية. قال البعض ان السبب هو جوازات السفر المكتوبة باليد، لكن بعض من سألناهم قال انه لا يعرف وغير متأكد. لا يبدو أن هناك تحركاتٍ شعبية ستعقب الخبر، لا يبدو كذلك أنَّ هناك «رد فعل» ضد "السعودية" التي أصدرت هذا القرار الجائر: يظهر أن الفلسطينيين لن يحجّوا هذا العام!
تبدو القصة مدهشة حينما تفكّر بها، والكلمات تحمل معاني الذهول حين ينطق بها رجل مسنٌ يجلس قرب منزله ويقول "إنّو شو هي تكية أبوهن ما يفوتونا نحج؟" أو حين يقول الرجل الذي يجلس إلى جواره بغضبٍ أكبر "إحنا يا جماعة الخير جايين نحج عشان النبي مش عشانهن". تستغرق في الفكرة أكثر، وفي مشيك باتجاه مستشفى حيفا في المخيّم.
ماذا عن الحركات "الإسلامية" الفلسطينية التي يشكل الحج في النهاية ــ عاجلاً أو آجلاً ــ ركناً من أركان تدينها ووجودها أصلاً. تلك الحركات والتيارات لا يعرف لها إجابة، أصلاً هي "زئبقية" بكل ما تحويه الكلمة من معنى، هي تعارض القرار، لكنها لا تعتبره جائراً، هي ترفضه، لكن لا تهاجم من أطلقه، وخصوصاً إذا كانت لها مصالح لدى الخليج أو السعودية. هي تعلل الأمر بأن "القرار هذا جاء ببساطة كموقف لسببٍ لا نعرفه، ولكن نسأل الله أن تزاح هذه الغمّة عن الأمّة".
طبعاً، لا أحد يعرف نهائياً المقصود بكلمة "الغمّة عن الأمّة"! ماذا إذاً عن التنظيمات الأخرى؟ لا أصوات تعلو "فما حدا فاهم شي من شي" هكذا يخبرك أحدهم وهو يعبر الطريق إلى جوارك.
أنت أصلاً لا تنتظر إجابة من هؤلاء كلّهم، ببساطة أنت تريد أن ترى وقع الخبر كما هو على "مجتمعٍ فلسطيني بحت".
فجأة تشعر بأن الخبر لا يعني أحداً من الموجودين: ذلك لا يعني أنهم غير متدينين ولا يحبون أن يزوروا رسول الله (ص). أبداً. لكنهم ببساطة لا يفهمون شيئاً مما يحدث. "القرار ما دخل حيّز التطبيق" يفاجئك أحدهم وهو يلتهم سندويشاً من الفلافل بكلماته تلك. تكاد تميز رائحة الفلافل تفوح من عبارة "حيز التطبيق" التي ينطقها.
المهم في القضية أنَّ الفلسطيني لن يذهب إلى الحج العام المقبل، ذلك أنه ممنوعٌ عليه، من أصحاب الدار! الأسباب؟ لا أحد يعرفها، فقد "طقت ببال ملك السعودية، بديش أشوف ولا فلسطيني هون، ويلااااا"، هكذا يرى أبو المجد العشريني اصل القصة!.
أبو المجد لن يذهب إلى الحج هذا العام، حتى من دون موانع سعودية، مع أنه يتمنّى، فالذهاب إلى مملكة آل سعود ــ الطيبين الرحومين الحنونين بحسب إحدى الجمعيات العاملة في الوسط الفلسطيني ــ يتطلب ببساطة أموالاً كثيرة لا يستطيع دفعها. "أصلاً الحج من زمان للمزنكلين" يقول. يكمل جملته التي تعرفها، لأنّك ببساطة شخصياً لا تستطيع الذهاب إلى الحج، فالحج يتطلب حوالي 6 آلاف دولار، طبعاً هذا إذا أردت أن يكون حجاً طبيعياً، لا تسحل فيه في الشوارع أو يداس عليك بالآف الاقدام، وهو ما لا يتمناه أحدٌ.
العائد الفلسطيني لن يذهب إلى الحج هذا العام، فببساطة، الحج هذا العام لا يشبهه، ليس هذا قراراً من ملك "الزهايمر" أو سواه، بل هو قرارٌ أعمّ اتخذ منذ سنين عدّة، الفلسطيني العائد لا مكان له في كل شيء، لا مكان له في الاتفاقيات، لا مكان له في الدراسات، لا مكان له في ... أي شيء. المضحك المبكي أن إحدى المؤسسات "القومية العربية" حينما قررت إقامة مؤتمرها الشبابي السنوي، فعلت ما فعله تماماً ملك السعودية: فاستثنت "الفلسطيني العائد" وأحضرت فلسطينيين من الداخل الفلسطيني، الحجة؟ فلسطينيو الداخل يقاسون ويعانون، ماذا تفعلون أنتم؟
في الختام، سيحج الفلسطيني هذا العام، وكل عام، وكل لحظة، لأن الله يحب الفقراء، وأورثهم الجنّة في نهاية المطاف، ولأنّه يعرف معاناتهم، ومتأكدٌ منها، ويفهمها لذلك إذا لم يأتوا هم إلى دارة الله، ستأتي دارة الله إليهم بقضّها وقضيضها. راقبوا سماء المخيم.