عمّان | تبدو عمان مقبلة على مرحلة جديدة بعدما دخلت بعيداً في الحرب على «داعش» وامتداداته داخل الممكلة، إذ بدأت بوتيرة تدريجية حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين وصلت ذروتها فجر أمس باعتقال نائب المراقب العام للجماعة في الأردن. ولا يخفى أن هذه الحملة جزء من التحالف العربي الثلاثي (مصر والسعودية والإمارات) ضد الإخوان، وخاصة أن اعتقال الرجل الثاني في الجماعة، زكي بني رشيد، جاء بعد انتقاده الإمارات عبر حسابه على «فايسبوك»، على خلفية قائمتها التي صنفت فيها ما تراه «منظمات إرهابية».
وما علم حتى الآن أن المدعي العام في أمن الدولة قرر توقيف بني رشيد 14 يوماً في سجن الجويدة (جنوب) بتهمة «تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة»، كما جرى ترحيله إلى السجن وسط حراسة مشددة. وينقل محامي الجماعة، عبد القادر الخطيب، أن المدعي العام أبلغه أن بني رشيد متهم «بتعريض مصالح الأردنيين للخطر، وتعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة، وهي تهمة تندرج ضمن قانون منع الإرهاب».
مباشرة، استنكرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن اعتقال نائب المراقب العام، واصفة الاعتقال بأنه «غير مبرر ونفذ بطريقة بوليسية». وأكدت رفضها «هذه الخطوة المستهجنة في مثل هذه الظروف الوطنية والإقليمية».
يرى مصدر
حكومي أن على «الإخوان» مراجعة علاقاتهم بالخارج

في السياق، وصف النائب في مجلس النواب، علي السنيد، اعتقال بني رشيد بأنه «استفزاز للشعب الأردني»، قائلاً لـ«الأخبار»: «اعتقال شخصية إسلامية قيادية بحجم زكي بني رشيد في جنح الظلام استفزاز للشعب الأردني، ويعني أن الإخوان صارت في دائرة الاستهداف وفعل قانون مكافحة الإرهاب ضدها». يذكر أن السنيد، وهو نائب معارض، قال في وقت سابق إن هناك مخططاً لاستهداف جماعة الإخوان، وناشد الحكومة «ضرورة تجنب التعنت مع القوى السياسية».
ويرى مراقبون أن هذا الاعتقال «رسالة واضحة من النظام وتصعيد خطير ضد الإخوان»، لأن المعتقل يعتبر ممن يقودون تيار «الصقور المتشددين» داخل الجماعة، وهو التيار القريب من حركة «حماس» ويواجه صعوبة في التعامل مع الدولة من جهة، ومع التيارات الأخرى في الجماعة.
ميدانياً، تظاهر أنصار الإخوان في مختلف محافظات الأردن بعد صلاة الجمعة أمس للمطالبة بالإفراج عن بني رشيد، وأيضاً «14 معتقلاً سياسياً» من الحراك الشعبي والجماعة نفسها، علماً بأن الأجهزة الأمنية اعتقلت يومي الخميس والجمعة كلاً من المهندس بشير الحسن والصحافي خالد الدعوم، والناشط عدنان قعدان والمهندس حمزة شاهين، ما يرفع عدد المعتقلين مؤخراً إلى 19 شخصاً.
أما الذراع السياسية للجماعة، حزب جبهة العمل الإسلامي، فرأت أن هذا الاعتقال من شأنه إدخال البلاد في حال توتر وتأزيم أكثر مما هي قائمة. ويقول الأمين العام للجبهة، محمد الزيود، لـ«الأخبار»، إنه لا يمكن قبول اعتقال شخصية قيادية معروفة على مستوى الوطن العربي وذات مواقف بطولية ومشرفة، مشيراً إلى أن التهمة المرفوعة ضده غير مقبولة «لأنه لا يجوز إرضاء الآخرين على حساب أبناء الوطن».
في المقابل، رفضت الحكومة الأردنية التعليق على هذا الاعتقال، واكتفت بالقول إن «القانون يسير فوق الجميع»، فيما صرح مصدر حكومي (رفض ذكر اسمه) لـ«الأخبار» بأن الدولة تريد من الإخوان «إعادة ترتيب أوراقهم إضافة إلى مراجعة علاقتهم مع الخارج، وخاصة الدول الموازية للأردن».
وليس خفياً أن النظام الأردني يحاول الموازنة في العلاقة مع الإخوان، فلا هو يريد تفجير الشارع، ولا يريد أيضاً إغضاب الحلفاء الذين يعادون الجماعة. هنا يتجلى دور الضغوط الخليجية على المملكة، وخاصة السعودية والإمارات، اللتين تريدان أن تنتزعا من عمان قراراً باعتبار الإخوان تنظيماً إرهابياً.
ويرى المحلل السياسي راكان السعايدة أن الرياض وأبو ظبي توظفان حاجة عمان إلى المساعدات المالية المقدمة منهما ووجود أيدي عاملة أردنية كثيرة لديهما، من أجل دفع الأردن إلى اتخاذ قرار ضد الإخوان. ويضيف السعايدة لـ«الأخبار»: «المملكة لديها مشكلة حقيقية، وهي أنها لا يمكنها الخروج من المحور السعودي والإماراتي والمصري الذي يناوئ الإخوان، لذلك اعتقال زكي بني رشيد فيه مغازلة الإمارات بدرجة أولى، ثم رسالة لها وللسعودية بأن الحكومة الأردنية ليست على تفاهم وودّ مع الإخوان، لكن الخوف من أن يجد النظام نفسه مجبراً على قفزة حادة مع الإخوان تحت الضغط».