تونس | لم يكن البعض محتاجاً إلى نشر ما قيل إنه «وثيقة سريّة» (انظر الصورة) لـ«حركة النهضة» ليشدّد على أن الأخيرة تدعم الرئيس المؤقت، المنصف المرزوقي، سرّاً، بعدما تخلّت عنه علناً، غير أن الوثيقة، التي نشرت، لا أساس لها من الصحة، وإن كان المتشددون والدعاة من الحركة، يتمنون أن يكون ما ورد فيها هو الموقف الرسمي لحركتهم. غير أن أمانيهم كبتها خيار قادة الصف الأول، الذين يرون في الرئيس المؤقت، الخطر الأكبر على الحركة.

لم يرغب شق من المعارضين لـ«النهضة»، في جلّ الأحزاب المدنية، تصديق روايتها الرسميّة الصادرة بتاريخ 7 تشرين الثاني الجاري، بعد عقد اجتماعين لمجلس شوراها، وقرارها ألّا تدعم أي مرشّح في الانتخابات الرئاسية. وهؤلاء وجدوا ما يستخدمونه لإثبات رجاحة موقفهم عبر مضمون وثيقة نسبت لـ«النهضة»، ووردت فيها دعوة هياكل الحركة أعضائها لأن يدعموا المنصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية، كما ورد فيها أيضاً أن القرار الذي اتخذه مجلس الشورى كان اضطرارياً.
هذه الوثقية، المشار في أولها الى أنها صدرت بعد اتخاذ قرار «الحياد» بثلاثة أيام، ونشرت منذ حوالى ثلاثة أيام، ينفي، وليد البناني، القيادي في «حركة النهضة» صحّتها، كما ينفي وجود دعم «مبطّن» للمرشّح في الانتخابات الرئاسية، المنصف المرزوقي.
وقال البناني في حديث إلى «الأخبار» إن «الحركة اختارت عدم دعم أيّ مرشح بعد تدارس ذلك في نقاشات مستفيضة داخل مؤسسات الحركة».
ولم يكن، البناني، القيادي الوحيد في الحركة الذي نفى صحة الوثيقة، فمحسن النويشي، رئيس الهيئة المركزية للانتخابات في الحركة، الجهة التي نسب إليها نشر البيان، نفى في حديث إلى «الأخبار» صحته، وأشار إلى أن ما يثبت تزوير الوثيقة «هو كونها نسبت لجهاز غير موجود في الحركة» مشيراً، كما سبق للبناني، الى أن الحركة، «وبعد نقاشات دامت أسابيع، قرّرت عدم دعم أي مرشّح للانتخابات الرئاسية».
هذا القرار الذي أفرج عنه للعلن في 7 تشرين الثاني الجاري، بعد انتهاء أشغال الدورة 30 لمجلس شورى الحركة، سبقته نقاشات حادة بين 150 عضواً في المجلس، دافع قرابة 30 منهم عن دعم المنصف المرزوقي، بذريعة منع تكرار محنة التسعينيات، التي شهدت صداماً بين «الحركة» والنظام القديم، انتهى إلى سجن 30 ألف منتسب إليها.
لكن هؤلاء وجدوا معارضة شديدة لهم من قبل الصف الأول في «الحركة» والذي يمثله، رئيسها، راشد الغنوشي، وعلي العريض، الأمين العام، فكلاهما اعتبرا أن الوقوف في صف المرزوقي «هو خيار خاطئ»، فوفق نتائج الاستطلاعات، التي قدمتها شركتان مكلّفتان من قبل «الحركة»، تبيّن أن لا حظوظ للمرزوقي. ولذلك من الأفضل، وفق تصورهما، عدم التورّط في دعم مرشّح، لأن ذلك سيكون بمثابة إعلان الصدام مع «نداء تونس» التي شددا على أن مرشحها، الباجي قائد السبسي، هو الأوفر حظاً بالفوز بالرئاسة، وأن تقاسم السلطة مع «نداء تونس» أفضل من أن تجد «حركة النهضة» نفسها محاصرة من الجميع.
هذه الحجة لم تكن الوحيدة، إذ أسرّ قادة الحركة والفاعلين فيها، لبقية الأعضاء، أن المنصف المرزوقي لا يحظى بقبول لدى عواصم دول الجوار وأوروبا. كما أنه في تجربته السابقة أضرّ بـ«حركة النهضة» وعارض سياستها في عدة ملفات، أبرزها ملف تسليم البغدادي المحمودي، رئيس الوزارء الليبي الأسبق.
عملياً، قرّرت «حركة النهضة» عدم دعم أي مرشّح، وطلبت حرية مبادرة أنصارها في اختيار مرشّحهم، لكنها، ووفقاً لرؤية الهاشمي الطرودي، المختص في التيارات الإسلامية، تدرك أن جزءاً واسعاً من «شعب النهضة»، كما يوصف أنصارها، سيتجهون لاختيار المنصف المرزوقي، وهو ما دفع «الحركة» لتوجّه جزءاً من هذا الرأي نحو مرشحين آخرين، أبرزهم، الهاشمي الحامدي، رئيس تيّار المحبة ومحمد فريخية، عضو مجلس النواب عن «النهضة».

■ للإطلاع على الوثيقة التي نسبت لـ «النهضة» وتدعو فيها أنصارها انتخاب المرزوقي أنقر هنا