القاهرة | قبل نحو أسبوع من الموعد المحدد للتظاهرات التي دعت إليها «الجبهة السلفية» في ما أطلقت عليه «انتفاضة الشباب المسلم»، تبدو أجهزة الدولة المصرية بطرفيها الأمني والديني، بالإضافة إلى داعمي السلطة من تيار «الإسلام السياسي» في حالة تجييش كامل ضد دعوات التظاهر ممثلّين في حزب «النور» و«الدعوة السلفية».
تناقض التصريحات الأمنية يعكس حالة ارتباك داخل أروقة الجهاز الأمني، خصوصاً في كيفية التعاطي مع التظاهرات المرتقبة. وراوحت التصريحات بين التهديد والتظاهر بالتجاهل، كإعلان مساعد وزير الداخلية، اللواء عبد الفتاح عثمان، «إطلاق الذخيرة الحيّة على المتظاهرين في حال مهاجمتهم للمنشآت العامة، والإحالة على المحاكمات العسكرية لمن يُقبَض عليه»، و«طمأنة» وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، للمصريين بقوله: «ما تقلقوش من الدعوات دي، إحنا كفيلين بيها، وهيبقى يوم الناس تتفسح فيه في الشوارع».
يبدو من التصريحات الأمنية المتناقضة أن مطلقيها مدركون لطبيعة تعاطي المصريين مع التهديدات الأمنية. فإذا تخطت تلك التهديدات «حدَّها المناسب»، فقد تؤدي إلى نتيجة عكسية، تجعل من خروج المواطن العادي من منزله في هذا اليوم مغامرةً، قد يفضل معه قطاع واسع من المصريين عدم النزول إلى أشغالهم وأعمالهم اليومية، وهو أمرٌ كفيل بتسليط الأضواء أكثر على التظاهرات. هذا الأمر تعلمته الأجهزة الأمنية في السنوات الماضية، حين أدركت أن التهويل والتخويف من التظاهرات يؤدي إلى نجاحها، أو على الأقل هما ينتجان حالة من القلق والترقّب تسمحان للتظاهرة بتصدر المشهد السياسي والإعلامي في البلاد، ويهددان التعافي الاقتصادي، عبر تصدير مشهد عدم استقرار البلاد.
قوات الأمن لم تكتفِ بالتهديدات الأمنية، بل شنّت حملات اعتقال واسعة في أوساط قيادات الجبهة، على رأسهم المهندس أحمد مولانا، وبين أوساط السلفيين عموماً، حتى الكوادر غير الناشطة أو المعروفة إعلامياً. المفارقة أنه بين المعتقلين، هناك بعض من يرفضون النزول والتظاهر في اليوم المرتقب، إلا أن الداخلية اعتقلتهم أيضاً، أبرز هؤلاء الناشط الإسلامي الرافض لدعوة الجبهة للتظاهر الدكتور محمد جلال القصاص، الذي قد يكون سبب اعتقاله، تشابه اسمه مع محمد جلال، أحد أبرز قادة الجبهة.

وزارة الأوقاف أيضاً دخلت على الخط، وحرّمت المشاركة في التظاهرات الداعية إلى «ثورة إسلامية» للمرة الأولى منذ عزل الرئيس المصري محمد مرسي، معتبرةً المشارك فيها «آثماً». كذلك أعلن وزير الأوقاف، مختار جمعة، أن دعوات التظاهر، «هي دعوات مشبوهة ومارقة وخبيثة والمشاركة فيها حرام شرعاً»، متهماً كل من يخرج فيها بأنه «خائن وعميل ومخالف للإسلام»، وهي اتهامات قاسية تصدر عن ثاني أعلى شخصية دينية رسمية بعد شيخ الأزهر. وتشهد مساجد مصر، غداً، خطبة موحّدة لصلاة الجمعة، تدعو إلى تحريم المشاركة في التظاهرات.
ويبدو موقف «الدعوة السلفية» من رفض دعوات التظاهر في هذا اليوم مبرراً في إطار التنافس السلفي ـ السلفي على رفع راية السلفية في مصر، إلا أن تصريحات القيادي في «الدعوة السلفية» الاسكندرية، زين العابدين كامل، تجاوزت الرفض إلى مرتبة التحريض الأمني على التظاهرات، تناغماً مع الاتجاه العام للتجييش ضد هذه التظاهرات من قبل الدولة.
الدولة لن تسمح لأحد بالتظاهر، سواء كانوا سلفيين أو اشتراكيين ثوريين
وقال القيادي السلفي في بيان: «إن هذه التظاهرات تستجلب الوبال على البلاد والعباد، وتريد أن تزعزع الاستقرار في مصر»، مضيفاً أن رفع المصاحف أمام الجيش والشرطة يظهر الأمر وكأننا في موقعة الجمل»، قبل أن يشير إلى «الجبهة»، قائلاً إنها «كيان وهمي لا يمثل أعداده نقطة في بحر السلفيين».
من جهته، رأى رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مختار غباشي، في حديثٍ لـ«الأخبار»، أن هناك «مبالغة كبيرة» من الدولة في تقدير حجم هذه التظاهرات وتعدادها، مضيفاً أن هذه المبالغة «مردُّها الأساسي إلى حالة كبيرة من الترقب والقلق والارتباك التي تسود أروقة الحكومة، ما يجعلها تلجأ إلى تجييش لمؤسساتها الأمنية والدينية». وأهم مسببات تلك الحالة برأي غباشي، هو الوضع الاقتصادي الصعب لدولة «تحاول أن تتماسك وترسل رسائل للخارج بأن الأمور مستقرة والأوضاع هادئة، وأنها قادرة على فرض سيطرتها وهيمنتها على مجريات الأمور».
وقال غباشي إن الدولة «لن تسمح لأحد بالتظاهر في الشارع، سواء كانوا سلفيين أو اشتراكيين ثوريين أو منتمين إلى حركة 6 أبريل، في ظلّ حالة الترقب الشعبي لما سوف يحدث وسريان شعور بالضجر والضيق من فشل الدولة في حلّ المشاكل المتراكمة على قطاع واسع من المصريين»، بالرغم من قناعة الدولة بأن قطاعاً كبيراً من المصريين لا يرحّب بدعوات النزول إلى لشارع، وهو ما يتجلّى في التهديدات بالتعاطي الأمني العنيف مع دعوات التظاهر.
وأضاف رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه رغم معرفة الدولة بأن التظاهرات ستكون بسيطة مقتصرة على أطراف العاصمة وبعض المدن الكبرى، «هي قامت باستعدادات أمنية لتحويل المؤسسات العامة والمديريات والإدارات الحكومية إلى معسكرات أمنية لا يمكن الاقتراب منها أو حتى المرور أمامها من وفرة قوات الأمن والمعدات الأمنية المحيطة بها»، متابعاً: «ما يعني أن الدولة ترغب بقتل أي حراك قد يولد نوعاً من الجدل في الساحة السياسية».