«المنظومة الصحية في حلب مهددة بالانهيار». من جديد، ارتفعت أصوات بعض العاملين في القطاع الصحي، مُحذّرةً من أزمة قد تضع الأحياء الخاضعة لسيطرة الدولة السورية وجهاً لوجه مع كارثة قد لا تنفعُ معها الحلول الإسعافية. كارثة، يمكن تلخيص أسبابها بجملتين اثنتين: «التيار الكهربائي»، و«حوامل الطاقة».
المشافي العامة

منذ انقسمت السيطرة على مدينة حلب إلى قسمين، داخل سلطة الدولة السورية وخارجها، اقتصرت الخدمات الصحية التي تُقدمها الحكومة على الأحياء الغربية، وخرجت مشافٍ كُبرى من الخدمة نتيجة وقوعها في القسم الشرقي، أو على أطرافه (مثل مشفى الأطفال، ومشفى العيون، ومشفى زاهي أزرق، ومشفى الكندي). وكحلّ إسعافي، أُلحقت هذه المشافي بأخرى حكومية في الأحياء الغربية، فباتت المشافي الطبية الحكومية موزعةً على ثلاث كُتل رئيسية، هي مشفى حلب الجامعي ومشفى الرازي، ومشفى ابن رشد. انضمت مشافي زاهي أزرق، والعيون، والأطفال إلى بناء مشفى الرازي الذي هو أساساً أحد المشافي التي تعاني ضغطاً كبيراً. وإلى مبنى ابن رشد، ضُمّت الهيئة العامة لمشفى الكلية الجراحي، ومركز الباسل لأمراض وجراحة القلب. تجري تغذية الكتل الثلاث بالكهرباء الحكومية، وتطاولها ساعات الانقطاع التي تشمل الأحياء الغربية، وقد تزايدت هذه الساعات أخيراً لتصل في بعض الأوقات إلى 23 ساعة انقطاع يومياً! ما جعل الاعتماد شبه كليّ على المولدات الضخمة المخصصة لكلّ من هذه الكتل، وهي مولدات تستهلك كميات هائلة من المازوت، تُدفَع قيمتها من ميزانية كل مشفى - بند المحروقات. وتُجرى مناقلات من البنود الأخرى في حال عدم كفاية بند المحروقات، أو يُورَّد المازوت بدعم مباشر من المحافظة عبر توجيه كتاب إلى مؤسسة «سادكوب» لتأمين الكميات اللازمة في حال فقدان المادة وتقوم المشافي بالدفع من ميزانياتها.

المشافي الخاصة

يبلغ عدد المشافي الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة 63 مشفى (تنقسم ما بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة). وقد وصل أخيراً عدد المشافي المغلقة منها إلى 23. ليبقى 40 مشفى ضمن الخدمة، اتخذت إدارات بعضها قرارات بإغلاق بعض الأقسام، مثل الحواضن، والعناية المشددة. يؤكد مصدر داخل «جمعية المشافي الخاصة» لـ«الأخبار» أنّ «معظم المشافي الباقية مهددةٌ بالخروج من الخدمة، من جرّاء الوضع المأساوي الذي يمرّ به التيار الكهربائي، ما يُنذر في حال حدوثه بوضع المنظومة الصحية على مشارف الانهيار». يوضح المصدر أنّه «في ظل الاشتباكات الدائرة يومياً على أطراف المدينة وسقوط القذائف على أحياء المدينة، تحولت معظم المشافي إلى خلايا إسعافية تعمل بلا توقف. ومع ازدياد الضغط على المشافي الحكومية، صارت الأولويات فيها للحالات الإسعافية الشديدة، وأصحاب الواسطات. وانخفض عدد الأسرّة الشاغرة». ويضيف: «أدى ما بقي من المشافي الخاصة دوراً جيداً حتى الآن. لكنّ معظم أصحاب المشافي الخاصة باتوا يفكرون جديّاً في اتخاذ قرارات بإغلاق مشافيهم، نظراً إلى عدم قدرتهم على توفير كميات المحروقات اللازمة في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «تزايد الأعباء مع دخول فصل الشتاء، وحاجة المشافي إلى التدفئة دائماً بطبيعة الحال».

بحثاً عن الحلول


تزايدت ساعات التقنين لتصل في بعض الأوقات إلى 23 ساعة يومياً
يوقن معظم أصحاب المشافي أن إيجاد حلّ دائمٍ يضمن استقرار حال التيار الكهربائي في المدينة هو أمرٌ شبه مستحيل في ظل الأوضاع الميدانية المعقدة التي تعيشها المدينة. لكنّهم يرون في الوقت نفسه أن الحكومة السورية قادرةٌ على إيجاد صيغة تضمن تزويد مشافيهم بمادة المازوت، وبالسعر «المدعوم». يقول أحد أصحاب المشافي لـ«الأخبار»، طالباً عدم ذكر اسمه، إن «إصرار الحكومة على رفع الدعم عن محروقات المشافي الخاصة هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة عليها، في وقت نحن أحوج فيه إلى كلّ فعالية صحية، بل إلى كل سرير». ويضيف: «كمية المازوت اللازمة لتشغيل مولد كهرباء في مشفى متوسط هي 20 ليتراً في الساعة، ما يعني 400 ليتر خلال 20 ساعة. فإذا حسبنا قيمتها وفق سعر 155 لليتر الواحد تصبح 62000 ليرة في اليوم، أي 1,860,000 ليرة في الشهر، وإذا أضفنا مصروف الزيت والصيانة، فإن الرقم سيرتفع ليبلغ قرابة المليونين شهرياً. كم يريدون منّا أن نرفع فواتير العلاج؟ ومن سيستطيع تحملها في ظل الوضع الاقتصادي السيئ؟».
يقترح مصدرٌ من «جمعية المشافي الخاصة» حلّاً مُلخّصه «تزويد الكتل الحكومية الثلاث خط كهربائي خاص، لا يطاوله الانقطاع»، ويوضح أنّ «هذه الخطوط موجودة، وتُعرف باسم الخطوط الذهبية. وتُستخدَم لتغذية فروع الأمن، خطوط التماس، مقاسم الهاتف، وبعض بيوت المسؤولين»! وفي حال تنفيذ هذا الحل، فإن «المشافي الحكومية ستصبح في غنىً عن استخدام مولدات الكهرباء، وبالتالي يمكن تجيير كميات المازوت المدعوم إلى المشافي الخاصة، وفقاً لحجم كلّ مشفى». بدوره، يقول الدكتور أيمن، اختصاصي التوليد: «لم نعد نعرف ماذا نقول للمرضى، هم يشتكون من عدم قدرتهم على الدفع، والمشافي تقول إنها مضطرة إلى رفع أسعارها لتغطية النفقات. ومن المعلوم أن بعض الأقسام تحتاج إلى تغذية كهربائية على مدار الساعة، وعلى رأسها العناية المشددة، وحواضن الخدج». ويضيف: «لا أعرف ما هي الحلول، لكن البحث عنها مسؤولية الجميع، والحكومة في الدرجة الأولى. ربّما كان تزويد المشافي بمازوت بالسعر المدعوم حلّاً جيداً، شرط أن يترافق ذلك مع مراقبة صارمة لأسعار العلاج، وإلاّ فلن يستفيد المواطن شيئاً».

قبل رفع السعر... وبعده

كانت المشافي الخاصة تزود بنحو 3 آلاف ليتر من المازوت أسبوعياً، وبسعر 85 ليرة سورية لليتر الواحد. وفي حال عدم كفاية الكمية، تشتري المشافي من السوق السوداء بسعر يراوح بين 125، و170 ليرة لليتر الواحد. ومع قرار الحكومة السورية رفع أسعار المحروقات، ارتفع سعر التزويد الرسمي إلى 155 ليرة لليتر الواحد، وتجاوز سعر ليتر السوق السوداء حاجز المئتي ليرة.




فاعلية القطاع الخاص قديمة

تشير إحصاءات «هيئة تخطيط الدولة» إلى أن نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة بلغ بين عامي 2005 و 2009 نحو 547 دولاراً للفرد الواحد في دمشق، ونحو 310 دولارات في كلّ من طرطوس والسويداء. فيما اقتصر على 100 دولار في حلب. وتُفسر «جمعية المشافي الخاصة في حلب» هذا التفاوت بأن «الاعتماد على القطاع الصحي الخاص كان كبيراً في حلب، حتى في السنوات التي سبقت الأزمة»، حيث «وصل عدد المشافي الخاصة في تلك الفترة في حلب إلى 103، مقابل نحو 50 مشفىً خاصاً في دمشق».