■ لو أردنا تلخيص تجربة «حماس» السياسية خلال السنوات الثماني الماضية، فإلى أين يقودنا المستقبل؟تجربة الحكم التي خاضتها «حماس» (منذ حزيران 2006) فيها ما يمكن الإشادة به وخاصة على مستوى الفعل المقاوم. في المقابل، هناك أخطاء في الأداء السياسي والعلاقات بالإقليمية.

منذ صعود «حماس» بالشرعية التي اكتسبتها بالانتخابات التشريعية، كان بإمكانها أن تتحصن بالحاضنة الشعبية لو نجحت في تشكيل شراكة سياسية يلتقي فيها الجميع لمواجهة التآمر الإقليمي والدولي والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. مع ذلك، بكل أسف، أعترف بأن خبراتنا السياسية كانت محدودة، وأحلامنا غير واقعية، ولم نضع حسابات للواقع الدولي الذي كان يمكر بنا ويستدرجنا لمعارك جانبية دفعنا ثمناً باهظاً لها من رصيدنا الشعبي الكبير.
بالنسبة إلى المستقبل، هناك مراجعات للعودة إلى الشارع من جديد لكن بقراءة مختلفة، لأننا سنكون جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني وفق منطلق «المشاركة لا المغالبة»، مع تعزيز العمق العربي والإسلامي والانفتاح على تيارات مؤيدة لفلسطين في الغرب.

■ وفق معلوماتك، ما حدود مشاركة «حماس» في الانتخابات المقبلة؟
القرار داخل الحركة هو استمرار المشاركة في العملية السياسية، والانتخابات ستكون محطة تاريخية... حتى اللحظة لم تبلور «حماس» استراتيجيتها للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، كذلك لم تتضح أرضية انتخابات المجلس الوطني، وإن كان من المتوقع دعم مرشح وطني تتحقق فيه الكفاءة والنزاهة للرئاسة، وأن نقدم إلى «التشريعي» كوادر شبابية تحظى بقبول شعبي.
تقديرنا أن نسبة تأييد «حماس» داخل الشارع الفلسطيني الآن لا تزيد على 30%، وهي كالنسبة التي تحوزها «فتح»، وهذا يفتح الباب واسعاً لدخول الطرفين ضمن قائمة انتخابية واحدة، أو محاولة استيعاب الأحزاب الصغيرة وتشكيل جبهة وطنية ـ إسلامية ضمن أهداف موحدة.

■ الحديث عن قائمة مشتركة مع «فتح» يثير التساؤل في ظل استمرار الخلاف...
في السابق، كانت مستويات التنافس السياسي تصل إلى حد القطيعة وتهميش الآخر، ولكن اليوم يبحث الكل عن الآخر لإقامة تحالفات، لأن من في «حماس» و«فتح» يدركون أنه ليس بالإمكان إقصاء الآخر. عموماً، القضية مرهونة بالحال الذي تكون عليه «فتح»، إذا شاءت أن تتوحد قواعدها الانتخابية خلف قيادة واحدة، لكن «حماس» أدركت أنها بحاجة إلى الشريك الوطني لقطع الطريق أمام أي حصار عليها.

■ لكل شيء ضريبة، وبالرجوع إلى ما تعلنه «فتح» هل يمكنكم قبول برنامج سياسي أساسه التفاوض مع الاحتلال؟
من وجهة نظر «حماس»، نزعنا كل العقبات أمام تفعيل المرجعيات السياسية، لكن الإشكالية أن هناك في السلطة من يعطل دخولنا إلى مؤسسات مثل منظمة التحرير والمجلس الوطني والمجلس المركزي، وذلك خشية استحواذ الحركة على القرار.
تقديرنا أن نسبة التأييد لـ«حماس» في الشارع %30، ومثلها لـ«فتح»
في النهاية، لا تزال الطريق مغلقة أمام الحركات الإسلامية وبعض القوى الوطنية لدخول تلك المؤسسات، رغم الوعود المتكررة ومذكرات التفاهم في القاهرة ودمشق والدوحة وغزة.
عن التفاوض مع الاحتلال، كان موقف «حماس» أن بإمكان أبو مازن (محمود عباس)، بصفته رئيساً لمنظمة التحرير أن يفاوض، ولكن ضمن رؤية يجري التفاهم عليها وتحمي حقوق شعبنا في الوطن والشتات. «حماس» تدرك أن التفاوض مكون أساسي في أي تسوية سياسية للصراع، لذلك فإن هذه القضية ليست متروكة لجهة واحدة تقرر وحدها، بل المطلوب التشاور.
في المقابل، ندرك أن إسرائيل ليست لديها رؤية للسلام مع الفلسطينيين، وهي تماطل لفرض حقائق على الأرض، وهذا لا ينطلي علينا. لا ننكر أن التفاوض مسار إجباري قد نضطر إلى التعاطي معه، ولكن تاريخ الشعوب في صراعاتها لم يحسم بالتفاوض وحده، فالحق دائماً يحتاج إلى من يحميه.

■ بعد الانسحاب الذي يمكن وصفه بـ«التكتيكي» من الحكومة، ما هي فرص عودة «حماس»؟
كانت تجربة الحكم محطة مهمة في ثقافة الحركة السياسية، وأيضا تجربة قاسية لأننا وجدنا أننا في الحكومة ولسنا في الحكم، فكل التعاملات الدولية كانت تمرّ عبر الرئاسة مقابل مقاطعة شبه دولية لحكومة إسماعيل هنية، باستثناء إيران وسوريا وقطر وتركيا. من هنا، علمتنا التجربة أن الحالة الفلسطينية تحتاج شراكة، وأي استفراد في ظل الاحتلال لن يكتب له النجاح. على المستوى الشخصي، أرى أن الدكتور سلام فياض هو خيار يمكن أن تجتمع عليه الأغلبية باعتبارات استقلاليته الحزبية وقبوله لدى المجتمع الدولي، وما يمتلكه من تجربة في شؤون الحكم.
بين الغياب عن الحكومة والوجود فيها، تفضل الحركة اليوم حضوراً واسعاً في المجلس التشريعي لضمان الحفاظ على الثوابت ومنع تغول السلطة التنفيذية أو الرئاسة في قرارات يمكن أن تؤثر في حقوق شعبنا، وهذا سبب سعينا إلى دخول المنظمة وإصلاحها.

■ حتى ذلك الوقت ماذا ستفعلون؟
في ظل اختلال موازين القوى واضطرابات المنطقة، فإن «حماس» مضطرة إلى تحجيم حضورها في الحكم. وبالتزامن عليها التركيز على استعادة قاعدتها الشعبية وتعزيز قدرات المقاومة مع الحفاظ على وجود سياسي لا يدفع الغرب وإسرائيل إلى ممارسة مزيد من الضغوط.

■ بالانتقال إلى الإقليم، كيف تنظر إلى التفجيرات في سيناء وما بعدها؟
الأعمال العسكرية التي تستهدف الجيش المصري لا تخدم حالة الاستقرار التي نتطلع إليها في هذا القطر الشقيق، وهدفها إشاعة الفوضى وبث الرعب بين الآمنين. هذا يخالف تعاليم ديننا، فلا يجوز ارتكاب المجازر بحق من هم مرابطون على الثغور.
موقفنا أن «حماس» جاهزة لأي تعاون أمني وسياسي يحفظ الأمن في مصر وسيناء وعلى الحدود، وإذا ثبت أن هناك أيادي فلسطينية وراء الجرائم، فإن أجهزة الأمن في غزة لن تتسامح مع أي جهة وستعاقبها.

■ كم يمكن الحركة أن تصمد في وجه متغيرات المنطقة، وخاصة التحالفات ضدها؟
الظروف الإقليمية والدولية لا تزال معاندة، ورغم الحراك المتعاطف مع الفلسطينيين بعد العدوان الأخير، فإن العرب منشغلون بصراعاتهم، والغرب حدد استراتيجيته بالحرب على «داعش» ونجح في استقطاب دول عربية وإسلامية معه، وكل ذلك سيأخذ اهتمامات الشعوب وأنظمتها الرسمية بعيداً عن فلسطين. ندرك أننا سنعيش سنوات عجافاً، وهذا يتطلب منا (الإسلاميين) بذل الجهد داخل ساحتنا الفلسطينية لترميم علاقاتنا الوطنية. سنظل نؤكد استقلالية قرارات «حماس» ومواقفها، وأن منظومة المصالح لديها ستظل تحكمها المبادئ لا الاعتبارات الإقليمية.

■ لكن هذا لا يعني أنه لا دور لـ«حماس» في المنطقة...
اتخذنا موقفاً أن نكون على مسافة واحدة من الجميع، لأن القضية الفلسطينية تحتاج دعم الكل العربي والإسلامي، وأي التفاتات في سياسة المحاور ستوردنا الهلاك، لذلك سنلتزم الحياد ونبذل جهدنا لتقديم النصح والمشورة.

■ ما وضع العلاقات الخليجية ـ الحمساوية؟
للأسف، سدَّت أكثر دول الخليج الأبواب في وجوهنا لما آل إليه الربيع العربي من فواجع، ومعظم المشيخات، باستثناء قطر، وجدوا في الإسلاميين خطراً عليهم فناصبوهم العداء، بل إن السعودية التي احتضنت التيارات الإسلامية على مدار أكثر من ستة عقود قلبت لهم ظهر المِجن، وأخذت تستعدي عليهم الشرق والغرب، في ظاهرة أصابت الجميع بالذهول. أما قطر، فوفّرت هذا الاحتضان الكريم لقيادة الحركة وبعض كوادر «صفقة وفاء الأحرار»، كذلك كانت يد خير للفلسطينيين، وهي الدولة التي سبقت الجميع وقدمت مليار دولار في مؤتمر القاهرة.

■ هل حسنت الحرب الأخيرة النظرة إلى إيران؟
للتاريخ، نشهد أننا قاتلنا وحدنا مع صمود أهلنا في القطاع، لكننا نعترف بأن مهارات القتال والتصنيع العسكري كان للإخوة في إيران بعض الفضل فيه، وسياسياً كانت إيران أكثر نخوة من بعض دولنا العربية. وبينما تخلى قادة في الأمة عن نصرتنا، كانت تصريحات السيد حسن نصر الله مؤازرة لنا وتمتدح قدراتنا في الميدان.
بغض النظر عن حسابات السياسة ومواقف بعض الأطراف، فإن علاقتنا بطهران وحزب الله يجب أن تظل وطيدة، وعلينا أن لا ننسى ما تمثله الثورة الإسلامية على مستوى رؤيتنا للصراع ضد إسرائيل، لأننا في مركبٍ واحد، فيما الغرب وأميركا وإسرائيل يرسمون لنا مخططات الكيد.

■ إذاً، ماذا يعوق تطور العلاقة مع إيران؟
ما يجري في سوريا من أحداث دامية بين المعارضة ونظام الرئيس بشار الأسد أدى إلى اتخاذ «حماس» موقفاً باعد بينها وبين إيران التي هي الحليف الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، ولكن يجب أن ننتبه إلى أن إيران دولة مركزية، ولديها إمكانات عسكرية ونفوذ قوي لتعزيز هيبة الأمة والحفاظ على مكانتها بين الأمم.


■ سمعنا حديثاً عن جهود لـ«حماس» في رفع اسمها عن قوائم الإرهاب الدولي؟
هذا الملف بالغ التعقيد وليس من المنتظر أن نرى تحركاً قريباً فيه، وخاصة مع اتهام «الإخوان المسلمين» بالإرهاب، من جهات عربية بوزن السعودية ومصر. صحيحٌ أن هناك من يحاول، بعيداً عن الأنظار، أن يغازل «حماس»، ولكن هذا ليس من باب التعامل معها والأخذ بيدها، بل لترويضها وتليين مواقفها.





أحمد يوسف قيادي في «حماس»، ومن أبرز مفكريها في غزة. أكمل دراساته العليا في الولايات المتحدة. هو عضو مجلس شورى عام في الحركة، لكن آراءه تثير جدلاً واسعاً بين حين وآخر، ويصنَّف أنه من أكثر الحمساويين انفتاحاً في العمل السياسي.