القاهرة | من الغريب أن يتحوّل مطلع أغنية «إحنا شعب وإنتو شعب.. لينا رب وليكو رب» إلى شعار لبعض الفصائل السلفية الإسلامية، التي أعلنت عن «انتفاضة الشباب المسلم» يوم 28 من الشهر الجاري، لتثير جدلاً واسعاً، وهجوماً كبيراً من الإعلام القريب من النظام.
صحيح أنّ أغنية الفنان علي الحجار كرّست نهج السلطة بعد الثالث من تموز 2013 (تاريخ عزل الرئيس محمد مرسي)، ولكن الجديد أن تضع «الجبهة السلفية»، في هذا التوقيت، مطلب فرض الهوية الإسلامية إلى جانب رفض الهيمنة الخارجية وإسقاط حكم العسكر.
اللافت أن «الجبهة السلفية»، وهي جزء من «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب» الذي يضم «الإخوان» وفصائل إسلامية أخرى، وتصدر بيانات يومية، كانت تنادي بوحدة الصف مع كل «القوى الثورية» كخطوة أولى لاستعادة الديموقراطية وإسقاط ما تسميه حكم العسكر، لكنها اليوم تصرفت وحيدة.
وكان «تحالف دعم الشرعية» قد تشكل بعد إطاحة الرئيس مرسي، لكنه تلقى أخيراً ضربة موجعة إثر صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء، إبراهيم محلب، بحظره، ليتم استبعاده من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ويبدو أن الحصار الأمني الخانق، وعدم الانخراط الجماهيري الواسع في فعاليات «التحالف»، والذي يعود بحسب الباحث في الحركات الإسلامية، أحمد بان، إلى «إرهاق الجماهير وإحباطها... وتخبط استراتيجيات الإسلاميين»، هي الأمور التي دفعت «الجبهة السلفية» إلى دعوة من سمتهم «الشباب المسلم» إلى أن يطلق «انتفاضته وثورته».
وتتبع «الجبهة السلفية»، التي تعمل كجماعة ضغط، لرموز إسلامية وسلفية مستقلة عدة؛ من أبرزهم الشيخ الراحل رفاعي سرور، والشيخ السجين حازم أبو اسماعيل، كما تضم عدة تكتلات دعوية، وتهدف إلى «رفع راية الشريعة الإسلامية» والعمل على تحقيق حاكميتها، فيما ترفض الجبهة «تكفير الشيعة»، ولا تعتبر إيران «العدو الرئيسي»، على عكس جماعات سلفية أخرى.
وبحسب صفحة حملة «انتفاضة الشباب المسلم» على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، فإن «الانتفاضة» تهدف إلى «فرض الهوية الإسلامية، ورفض الهيمنة الخارجية، وإسقاط حكم العسكر، والتصدي للبعد العلماني للنظام الحالي، وضخ دماء جديدة للحراك الثوري من خلال تحريك قطاع كبير من الإسلاميين يقدر على طول النفس ويسعى إلى الحسم في الوقت نفسه».
وجاء في بيان انطلاق الفعاليات، تحت عنوان «معركة الهوية»: «أسفر الباطل عن وجهه صريحاً قبيحاً ليقود حراكاً علمانياً على الثورة يهدف إلى استئصال الهوية وإقصاء الإسلام عقيدة وشريعة بعدما انحازت إلى الخائن لحى مستعارة وعمائم فاجرة؛ أولئك الذين جرموا الثورة، وزعموا أن (الرئيس الأسبق حسني) مبارك وليّ أمر شرعي وأن الثورة ضده فتنة، ثم كانوا أول من تربح منها قبل أن ينقلبوا عليها لينحازوا مرة أخرى إلى سيدهم الجديد (الرئيس) عبد الفتاح السيسي، ليفوضوه فيقتل هو وجنوده الشباب المصري المسلم وبعد، وقد اتضحت هذه الصورة: أما آن للشباب المسلم أن يطلق انتفاضته ويعلن ثورته؟».
ويكشف عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة السلفية» وممثلها في «تحالف دعم الشرعية»، مصطفى البدري، عن بعض الأسباب التي دفعتهم إلى إطلاق فكرة «انتفاضة الشباب المسلم». ويقول إن «أغلب القطاع السلفي هو قطاع يميل إلى الحسم وليس عنده طول نفس، والإخوان على العكس تماماً، يجيدون سياسة النفس الطويل، لكنهم لا يتحركون بقوة نحو الحسم، حتى عندما تكون الفرصة سانحة أمامهم».
عضو في المكتب السياسي لـ«الجبهة السلفية»: نميل إلى الحسم

ويتابع البدري قائلاًً «نحتاج إلى قاعدة ينطلق الجميع منها، والقاعدة لن تكون سوى الشريعة التي تكفل الخير للجميع... ونريد للشارع أن يعرف أن الإسلام هو الحل والمخرج من الأزمات الحالية وأنه لا حل للفقر والجهل والغلاء سواه».
ورداً على الهجمة الإعلامية المكثفة من القنوات الفضائية المملوكة لرجال أعمال مؤيدين للنظام المصري الراهن، وجّه المتحدث باسم «الجبهة السلفية»، خالد سعيد، الشكر لوسائل الإعلام، وقال «جزاكم الله خيرا، فقد قدمتم لانتفاضة الشباب المسلم خدمات جليلة جعلكم الله خدماً دوماً، فقد روجتم للحدث كما لا يمكننا فعله بإمكانياتنا المحدودة قط... لكنني أرجو أن يكون هذا محض غباء منكم لا أن بارونات المال ملّوا من سيدهم الغبي لكثرة سحب المال منهم».
عموماً، فإن الدعوة إلى «الانتفاضة الإسلامية» تشير إلى عدم الاستقرار على «الآليات الكفاحية» المستخدمة للتغيير، الأمر الذي لا بد من أن يسمح بخلط الأوراق مجدداً بين أتباع الحل السلمي من الإسلاميين وبين أنصار العنف المسلح، وخصوصاً في ظل تزايد التفجيرات داخل العاصمة القاهرة والعمليات الإرهابية في سيناء.
وجاء في بيان «الجبهة السلفية» أن «الهدف العام للحملة هو رفع راية الشريعة، وإعادة تذكير الناس بها، ولا يوجد لازم بين الهدف العام من إظهار راية الشريعة وبين تبني مسار عمل بعينه (سلمي - مسلح)». وأضاف البيان: «إذا اتفقنا على القضية فالأمر واسع لكل من يشارك، ولا ينبغي أن يفتعل أحد معركة وهمية، من يرد العمل تحت المظلة بما يخدمها كما يرى فليفعل».
برغم ذلك، يرفض مصطفى البدري اعتبار أن بيان «الجبهة» يتضمن تحريضاً على استخدام العنف، مشدداً على أن «انتفاضتنا سلمية سلمية». ويضيف إن «هناك كثراً من الشباب يتبنون خيار العنف ويرفضون السلمية، وتوهموا أن دعوتنا إلى الانتفاضة ستكون غير سلمية نظراً إلى أن فعاليتها ستتم بعيداً عن مظلة تحالف دعم الشرعية».
في المقابل، أعلن إسلام الغمري، وهو القيادي في «التحالف الوطني لدعم الشرعية» وعضو الهيئة العليا لحزب «البناء والتنمية» (جماعة إسلامية)، رفضه لحملة «انتفاضة الشباب المسلم»، معتبراً أنها تضرّ بالتيار الإسلامي. وقال «أرى أن عملية التقسيم خطوة تراجعية لا تصب في مصلحة الثورة، وأنّ التوحّد على الأهداف والمبادئ العامة يكفي للعمل المشترك بين الجميع، وأن الهدي النبوي بعد الهجرة، وكتابة وثيقة المدينة يؤكد ذلك، ومن الناحية السياسية هذا مضرّ، ويسمح للقوى المناهضة للتيار الإسلامي بعزله وتوجيه السهام له، وهذا ما تطمح إليه عصابة الانقلاب». وأضاف، في نقطة مهمة، إن «جعل المعركة (إسلاميين وعسكر) أو (إخوان وعسكر) خطر على الثورة، وأحسب أن الحركة الإسلامية تدرك صعوبة المرحلة وطبيعة التحديات في مصر والمنطقة والعالم».
من جهته، وصف الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية، كمال حبيب، دعوات «انتفاضة الشباب المسلم» بـ«الطفولية»، مشيراً إلى أنّ الداعين إلى هذه التظاهرات «لديهم غلو في الفكر إزاء الجماعات الموالية لهم مثل الجماعة الإسلامية والإخوان»، متسائلاًً «كيف سيحكم هؤلاء وفقاً للشريعة الإسلامية، وكيف سيتعاملون مع الأقباط على سبيل المثال؟». واعتبر حبيب، في تصريحات صحافية، أن الجماعات التي تتحدث دائماً عن الهوية «تمزّق الأمة».
وضمن ما أثارته الدعوة إلى «الانتفاضة» من جدال في فريق الأطراف الإسلامية، فقد انضمت إلى خط المعارضين لها «الدعوة السلفية»، وهي جماعة دعوية يمثلها «حزب النور» الموالي سياسياً للنظام الراهن، ومن أبرز رموزها الشيخ ياسر البرهامي.
وطالبت «الدعوة السلفية»، في بيان، «أبناء التيار الإسلامي» بعدم الاستماع إلى تلك الدعوات، التي «تسعى إلى هدم مؤسسات الدولة»، مؤكدة أن «دعوات الجبهة السلفية وجماعة الإخوان المسلمين ليس لها علاقة بالإسلام، وإنما لها أهداف سياسية».
واللافت أن جماعة الإخوان المسلمين لم تحدد موقفها بعد من «انتفاضة الشباب المسلم»، لكن المؤكد ـ بحسب المراقبين ـ أن «تحالف دعم الشرعية» يواجه تخبطاً غير مسبوق في الاستراتيجيات والتكتيكات، يجعله يميل الى تبنى الشيء ونقيضه في الوقت ذاته. فبينما خرجت قبل أيام مبادرة للمصالحة مع النظام من أحد قادة الإخوان المسلمين (علي فتح الباب) ونفت الجماعة علاقتها بها لاحقا، تخرج اليوم «الجبهة السلفية» لتدعو الى «انتفاضة الشباب المسلم» من أجل «تطبيق الشريعة الإسلامية» وإطاحة «حكم العسكر».




القاهرة: انفجار قرب قصر القبة الرئاسي

أصيبت امرأة بجروح، يوم أمس، في انفجار قنبلة على مسافة مئة متر من قصر القبة الرئاسي في القاهرة، وذلك بعد ساعات من اعتداء مماثل في الدلتا أوقع أربعة قتلى، وآخر جرح ثلاثة في محطة مترو شمالي القاهرة.
وقال التلفزيون الرسمي إن الانفجار استهدف نقطة أمنية أسفل الجسر المواجه للقصر.
ويستخدم الرئيس عبد الفتاح السيسي قصر القبة الرئاسي الذي استهدفه الانفجار والواقع في شمال شرق القاهرة في مناسبات محددة. وشهد هذا القصر في شهر حزيران الماضي حفل تنصيب السيسي رئيساً للبلاد، كما يستخدم القصر في أحيان كثيرة لاستضافة كبار ضيوف رئاسة الجمهورية في مصر، وكان آخرهم الرئيس السوداني، عمر البشير، الذي زار مصر في تشرين الأول الماضي.
وفي 30 حزيران الماضي، قتل ضابطا شرطة برتبة عقيد ومقدم في انفجارين، يفصل بينهما نحو ساعة، أثناء تفكيك قنبلتين أمام قصر الاتحادية الرئاسي شرق القاهرة والذي يستخدمه السيسي بشكل يومي.
ويوم أمس، شدد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على استخدام «الاستراتيجيات الأمنية الجديدة التي تتناسب مع التحديات» التي تواجه الدولة المصرية، والتي قال إنها «تستهدف وجودها ذاته وتسعى إلى... إضعاف إرادة المواطنين وإرهاق الدولة المصرية واستنزاف مواردها»، بحسب ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية عقب لقاء للسيسي مع المجلس الأعلى للشرطة (أعلى هيئة شرطية في مصر). وتأتي تصريحات السيسي غداة تعيين اللواء أحمد جمال الدين مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، وهو منصب مستحدث لم يكن موجوداً من قبل.
(أ ف ب)