القاهرة | للمرة الأولى منذ إطاحة نظام الرئيس حسني مبارك، خضعت مصر يوم أمس لما يسمى المناقشة الدورية بشأن أحوال حقوق الإنسان فيها، وذلك أمام «مجلس حقوق الانسان» التابع للأمم المتحدة، الذي انتقد حصيلتها على هذا الصعيد.
وعرضت مصر ملّفها الحقوقي أمام المجلس الدولي، في الجلسة الخاصة بها لـ «الاستعراض الشامل»، بواسطة تقرير رسمي قدمته الحكومة، إضافة إلى تقرير مواز رفعته منظمات المجتمع المدني. و"مجلس حقوق الإنسان» هو «هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة مسؤولة عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها»، وفقاً للتعريف الرسمي لتلك الهيئة.
وخلال إلقائه كلمة مصر في الجلسة، رأى وزير العدالة الانتقالية في الحكومة المصرية، المستشار إبراهيم الهنيدي، أن حقوق الإنسان «تأتي على رأس أولويات السلطة التي أدارت البلاد منذ 30 يونيو»، مضيفاً أن ما يدلّ على ذلك هو «وجودي هنا كوزير للعدالة الانتقالية التي أنشئت عقب 30 يونيو كرسالة لتأسيس دعائم دولة جديدة تتبع سياسة رشيدة، وإعلاءً لمبدأ المحاسبة».
وأشار الهنيدي إلى أن رئيس الجمهورية المصري، عبدالفتاح السيسي، ألّف لجنة «مستقلة» للتحقيق في أحداث العنف التي وقعت عقب «30 يونيو»، وأنها انتهت بالفعل من أعمال التقصي والتحقيق وهي في سبيل رفع التحقيق للجهات المختصة، مضيفاً أن الدستور المصري الجديد «يمثّل انتصاراً حقيقياً لحقوق الإنسان».
وشرحت الحكومة المصرية في تقريرها المكوّن من 32 صفحة، الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة التي مرّت بها البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، منذ «ثورة 25 يناير»، مروراً بكل الأحداث والاضطرابات، وصولاً إلى انتخابات رئاسة الجمهورية وصعود المشير عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم. وركز التقرير الحكومي، المقدّم إلى الأمم المتحدة في شهر حزيران 2014، على التعديلات الدستورية والتشريعية التي تحفظ الحقوق والحريات، متجاهلاً الانتهاكات التي ترتكبها السلطات التنفيذية أو القضائية على نحو يضع جدوى التعديلات موضع سؤال.
ويستخدم النظام السياسي الانتهاكات للبطش بمعارضيه ولضمان الإفلات من العقاب، وهو الشق الذي التقطته منظمات المجتمع المدني في تقريرها الموازي المقدم إلى المجلس الدولي في آذار 2014 واشتركت في إعداده 19 منظمة حقوقية غير حكومية. وللإشارة، فقد أصدرت سبع منظمات حقوقية كانت مدعوة للمشاركة في تقديم التقرير الموازي، بياناً، أعلنت فيه «عدم مشاركتها في فعاليات الاستعراض تحسباً لأي إجراءات انتقامية أو ملاحقات نتيجة تلك المشاركة»، كما ألغت تلك المنظمات المؤتمرات التي خططت لإقامتها على هامش جلسة الاستعراض، بسبب ما وصفته بـ «المناخ المعادي لعمل منظمات حقوق الإنسان المستقلة».
وانتقدت، يوم أمس، دول غربية الإساءة الى الحريات والتقاعس عن اجراء تحقيق وملاحقة المسؤولين عن القمع، مطالبة بمطابقة القوانين مع الدستور الجديد 2014، وبالافراج الفوري عن سجناء الرأي وبضمانات لعمل المنظمات غير الحكومية وحرية الاجتماع والتظاهر. وخلال الجلسة، شددت البلدان الغربية على اعمال العنف الجنسية ضد النساء وعقوبة الاعدام على نطاق واسع واحترام حقوق المهاجرين. وطالب سفير الولايات المتحدة، كيث هاربر، بـ «تحقيق معمق حول استخدام القوة من قبل قوات الامن وملاحقة المسؤولين» عن قمع التظاهرات في آب 2013. وقال السفير الاميركي «نشعر بقلق كبير من جراء انتهاكات حرية التعبير والاجتماع وتأسيس جمعيات والقيود على دور المجتمع الاهلي». وطلب الغاء تعديلات القانون حول المنظمات غير الحكومية والتظاهرات السلمية، فيما أعرب مندوب بريطانيا عن قلقه من «عدد المعتقلين الكبير» و"المحاكمات غير العادلة» والادعاءات بالتعذيب واعادة النظر في القانون حول المنظمات غير الحكومية. وطلبت النمسا اسقاط التهم عن الصحافيين المسجونين.
عموماً، قدمت نحو 55 دولة توصياتها لمصر عن حالة حقوق الإنسان، تركزت حول مطالبة الحكومة بمراجعة قانون التظاهر، واتخاذ خطوات لإلغاء أشكال التمييز والعنف ضد النساء، وتعديل قوانين تسجيل الجميعات الأهلية وفقاً لقوانين المجتمع الدولي، بالإضافة إلى تعديل القوانين الخاصة بتعريف التعذيب.
وكان التقرير الحكومي المصري قد تجاهل تقديم نتائج التحقيقات الخاصة بمقتل ما يزيد على 2500 شخص في تظاهرات واعتصامات منذ أحداث «ثورة يناير»، بينما قال مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع حقوق الإنسان، اللواء أبو بكر عبدالكريم، خلال الجلسة، إن التحقيقات لا تزال تجري في هذا الشأن، وأن الداخلية طبّقت القواعد الدولية في فضّ اعتصامي «رابعة» و«النهضة».
وفي ما يخص الحقوق السياسية والمدنية، رصد التقرير الحكومي عدداً من التعديلات التي أجريت على قانون تأسيس الأحزاب، ليصبح ذلك عبر الإخطار، فقط، وفيما تحدّث عن «حرية الفكر والرأي والتعبير واحترام الصحافة وإلغاء قانون الطوارئ»، ذكر تقرير منظمات حقوقية أنه بالرغم من إلغاء قانون الطوارئ، فإن الأجهزة الأمنية «توسعت في حملات المداهمة الجماعية والعشوائية، ولاسيما أثناء التظاهرات أو فض الاعتصامات». وانتقد التقرير الحقوقي «الممارسات المقيدة لحرية الفكر والتعبير» التي تمثّلت في إحالة العديد من الصحافيين والمدوّنين على المحاكم العسكرية.
وفي شأن حقوق المرأة، قالت رئيسة المجلس القومي المصري لحقوق المرأة، ميرفت التلاوي، إن «الإخوان المسلمون كانوا يريدون إلغاء كل القوانين التي ضمنت حقوق المرأة، فضلاً عن خفض سن الزواج وإلغاء عقوبة جريمة ختان الإناث». وتناول التقرير الحكومي الذي قدمته مصر، التعديلات التشريعية التي لحقت ببعض القوانين لضمان «تمكين النساء». وذكر التقرير أن «قانون مجلس النواب الجديد خصّص عدداً غير مسبوق من المقاعد، فأوجب أن يكون نصف مرشحي القائمة من النساء، ونصف عدد من يعينهم رئيس الجمهورية من النساء»، لكن التقرير الحقوقي ذكر من جهته أن المنظمات وثّقت 21 حالة اغتصاب في فترة ما بين 25 كانون الثاني وحتى السابع من حزيران 2013. وقال التقرير الحقوقي إن «الهدف الواضح من هذه السياسات هو محاولة استبعاد المرأة من المشاركة في الحياة العامة».
وخصّص التقرير الحكومي جزءاً عن احترام حقوق الإنسان خلال عمليات «مكافحة الإرهاب»، ذكر فيه أن «الدولة تلتزم بمواجهة الإرهاب بصوره كافة، بمعايير الأمم المتحدة، وتجفيف منابعه الفكرية والمادية من دون إهدار الحقوق والحريات العامة»، إلا أن تقرير المنظمات الحقوقية قال إن «ممارسات الحكومة الحالية تتخذ من خطر الإرهاب ذريعة لانتهاك الحقوق والحريات الأساسية... فبدلاً من مواجهة الإرهاب ارتفعت وتيرة المواجهات مع التظاهرات والتجمعات السلمية والقبض على نشطاء سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان واستخدام الحبس الاحتياطي لفترات طويلة كعقوبة ضدهم كمعارضين».