تونس | افتتح يوم أمس زعيم حزب «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، حملته للانتخابات الرئاسية المقامة في 23 من الشهر الحالي من محافظة المنستير الساحلية، وتحديداً من «روضة آل بورقيبة» (ضريح الزعيم الحبيب بورقيبة)، في مشهد أراد منه زعيم الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة القول إنه خليفة باني الجمهورية التونسية الحديثة.
ومنذ تأسيسه لحزب «نداء تونس»، حاول الباجي محاكاة الزعيم الراحل وتقليده حتى في ملابسه وتصرفاته. ومن ضريحه أراد السبسي أن يبيّن أنه يمثل التواصل الحقيقي للنهج البورقيبي في تحديث المجتمع والوقوف سداً منيعاً أمام الرجعية والظلامية.
وأمس، بدا خطاب الباجي خطاب وحدة موجهاً إلى جميع التونسيين، من دون التركيز على فوز حزبه في الانتخابات التشريعية، وشدد على أن الرئيس يجب أن ينسى الحسابات السياسية الضيقة وينظر إلى الجميع بمساواة. وأشار إلى أن الرئيس يجب أن يعيد إلى الدولة هيبتها وأن يكون رئيساً لـ«الوحدة القومية» التي بنيت على أسسها دولة الاستقلال، وتم تحرير البلاد من أجل تحقيقها، مهما كانت الخلافات.

وأكد أكثر المرشحين الرئاسيين حظوظاً على ضرورة إعادة الهيبة إلى الدولة، مضيفاً أن دوره الأول يتمثل في «إرجاع البلاد لكل التونسيين وذلك عبر سياسة عادلة تتجسد في تكريس دولة القانون، تحمي الفقير والغني والقوي والضعيف على أساس المساواة»، فيما خاطب الشباب قائلاً إن «المستقبل لكم وعليكم بناءه وسنبنيه جميعاً دون إقصاء لأحد».
ووجه قائد السبسي، في كلمته، رسالة مبطّنة لخصومه السياسيين من ذوي المرجعية الدينية قائلاً «نحن شعب مسلم والدولة لشعب مسلم». وأضاف: «قال الحبيب بورقيبة في الفصل الأول من دستور سنة 59 الذي خطّه بيديه، تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها، فإن هذه الثوابت لا يمكن التخلي عنها وسيُتمسك بها وسنموت من أجلها».
لم تلقَ الحملات الأخرى الزخم الشعبي ذاته الذي حصده «نداء تونس»

وفي حين افتتح مرشحون آخرون حملاتهم الرئاسية منذ يوم أمس (نجيب الشابي، كلثوم كنو، نورالدين حشاد، محمد المنصف المرزوقي، وغيرهم)، فإنها لم تلق الإقبال الجماهيري الذي لاقاه الاحتفال الشعبي الذي عقده زعيم حزب «نداء تونس» في المنستير. ويخوض قائد السبسي سباق الانتخابات الرئاسية في وجه 26 مرشحاً، من بينهم امرأة وحيدة هي القاضية كلثوم كنو.
عموماً، فإن أكبر المرشحين للانتخابات الرئاسية وأوفرهم حظاً في الوصول إلى قصر قرطاج لم يجد صعوبة في تجميع أنصاره، خصوصاً أن نشوة الانتصار على «حركة النهضة» عززت فرصه في الانتخابات المقبلة، وسط ارتباك ما يسمى «العائلة الوسطية الديموقراطية» التي لم تتفق بعد حول مرشح توافقي يمثلها في الانتخابات الرئاسية. كذلك لا يزال خصمه الأساسي، «النهضة»، الذي لم يقدم مرشحاً للرئاسية، يتباحث داخل مجلس الشورى التابع له في اسم المرشح الذي سيدعمه.
في هذا الوقت، تجدد قيادات «نداء تونس» تذكير خصومها السياسيين بأن إشراكهم في الحكم يبقى رهن موقفهم من مرشحها للانتخابات الرئاسية، ما يعني أن «حركة النهضة» ستوضح موقفها من المشاركة في الحكم أو البقاء في المعارضة بمجرد إعلانها دعم مرشح غير الباجي قائد السبسي.





...وكمرشح "تونس القرن 21"

يقدم الباجي قائد السبسي نفسه على أنه مرشح "تونس القرن الحادي والعشرين" وكوريث لأبي الاستقلال الحبيب بورقيبة، كما يدافع عن صلاته بمناصرين سابقين لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وقال السبسي (87 عاماً)، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، "إذا كنت ترشحت فلأنني أعتقد بأنه أمر مفيد... من أجل البلاد، لأنني أحمل مشروعاً، هو إعادة تونس الى مصاف دولة تنتمي الى القرن الحادي والعشرين".
ويقرّ السبسي الذي دأب سابقاً على توجيه انتقادات لاذعة لأتباع "النهضة" الذين وصفهم بـ"الرجعيين" و"الظلاميين"، بأن الاسلاميين يعطون الانطباع بأنهم قبلوا اللعبة الديموقراطية، "لكن الحكم على ذلك يبقى في الأفعال".
ويتابع السبسي "كنت أتعامل بشكل مباشر تقريباً مع الرئيس بورقيبة على مدى 35 عاماً، وبالتالي أتحمل مسؤولية كل الإنجازات التي حققها، كما أتحمل مسؤولية في الأمور السلبية". ورداً على سؤال حول تشكيل "قضاء انتقالي" لتحديد المتورطين في الممارسات السلطوية في ظل حكمي بورقيبة وزين العابدين بن علي، قال السبسي إنه يؤيد كشف الحقيقة، لكنه يعارض "تصفية الحسابات".
(أ ف ب)