تونس | التونسيون يحسمون خياراتهم، والصناديق لم تقل كلمتها حتى ساعات الفجر الأولى، وسط إشارات تفيد بتقدم خصم «حركة النهضة» الأول، حزب «نداء تونس».
وبعد انتخابات تشريعية هي الأولى بعد خلع الرئيس زين العابدين بن علي، شارك فيها نحو 60 في المئة من التونسيين، سارع زعيم «النداء» المرشح الرئاسي، الباجي قائد السبسي، في تصريحات إثر غلق مكاتب الاقتراع، إلى الإعلان أن لدى حزبه «مؤشرات ايجابية» تفيد بأنه في الطليعة، بيد انه حرص على التأكيد انه لا يمكن الحديث عن نتائج الانتخابات قبل الاعلان الرسمي من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
من جهته، رفض حزب «حركة النهضة» إعطاء اي توقعات. ودعا احد قادته، عبد الحميد الجلاصي، الطبقة السياسية الى انتظار اعلان النتائج المتوقع اليوم.
وفي ساعات الفجر الأولى، أجمعت معظم التقديرات في تونس على تقدم شبه مؤكد لـلنداء» أمام ثاني أطراف القطبية المتجسدة، «النهضة»، فيما ساد قلق بشأن وضعية أحزاب المعارضة التقليدية، التي لولاها لما وصلت تونس إلى «أعراسها الديموقراطية».
وسبقت تفاصيل انتظار النتائج عدم تخلف التونسيين يوم أمس عن المشاركة في أهم محطات الانتقال الديموقراطي التي سترسي مؤسسات البلاد الدائمة للسنوات الخمس المقبلة. وقطعت البلاد شوطا عصيبا قبل الوصول إلى يوم الانتخابات، كان أشبه بسباق الحواجز. إذ رافق الحديث عن الاستحقاق تخوفات جمة من امكانية افشال المحطة الانتخابية، وبرزت تحديات أمنية عدة، اشتدت خصوصاً بعد العملية الارهابية في منطقة واد الليل، يوم الجمعة الماضي، التي أسفرت عن مقتل ستة ارهابيين وأمني.
وسجلت أعلى نسب مشاركة في الانتخابات في دوائر بن عروس (نحو 70 في المئة) ونابل 1 و2 (بحدود 68 في المئة)، تليها دوائر تونس العاصمة، فيما كان لافتاً تدني المشاركة في سيدي بوزيد (أقل من 50 في المئة)، وهي مهد الحركة الاحتجاجية التي أطاحت بن علي. وقد برزت يوم أمس الدعوات إلى «الرحيل» التي لاقاها الرئيس المنصف المرزوقي لدى توجهه للإدلاء بصوته، وهو حليف «النهضة» ضمن «ترويكا» الحكم.
ونجحت تونس في التحدي الانتخابي بالرغم من أن تقويم المحطة الانتخابية لا يمكن الإقرار به إلا بعد الاعلان عن النتائج النهائية والتحقق من النزاهة التامة للعملية الانتخابية. وكان رئيس حكومة «التوافق»، مهدي جمعة، قد قال في تصريح صحافي إن «نجاح هذه العملية الانتخابية ضمان لمستقبل تونس ولانفتاحها على الخارج»، معبراً عن «الوعي بأهمية الموعد الانتخابي باعتباره محطة تاريخية، وخاصة أن من أولويات حكومته تهيئة الأجواء للانتخابات». وفي محاولة تقويم أولي للعملية الانتخابية، أعرب المنسق العام لشبكة «مراقبون»، رفيق الحلواني، في حديث إلى «الأخبار»، عن أنه «لا يمكن تقويم العملية بمجملها. من حيث الناخية اللوجستية 99 في المئة من مكاتب الاقتراع فتحت دون تأخير ووصلتها المواد الانتخابية اللازمة لعملية الاقتراع، وهو ما يعني أن الاستعداد تقنيا ولوجستيا كان في مستوى محمود وهو شيء يحسب للهيئة تنظيميا».
وبانتظار النتائج التي ستفتح على مشهد سياسي جديد من شأنه نقل تجربة تونسية جديدة إلى العالم العربي، فإن «حركة النهضة» كانت تمر في يوم التحدي الأبرز لها بعد نحو ثلاثة أعوام في الحكم، تبوأت خلالها رئاسة حكومتين واجهتا أعتى الأزمات السياسية التي عرفتها تونس في تاريخها المعاصر. وكان زعيم الحركة، راشد الغنوشي، قد قال بعيد الإدلاء بصوته في بن عروس إن «هذا اليوم تاريخي لتونس تتحقق فيه أحلام اجيال من التونسيين ليصبح لنا برلمان». وأضاف إن «مهمتنا اليوم ان نحافظ على الشمعة الوحيدة التي تضيء الربيع العربي وأن نظهر ان الديموقراطية والاسلام لا يتعارضان». وقال إن الشعب العربي يستحق الديموقراطية، وإن الاسلام والديموقراطية لا يتناقضان وإنما يسيران يداً بيد.
جدير بالذكر أنه في مطلع العام الحالي اضطرت «النهضة» إلى التخلي عن السلطة لحكومة غير حزبية بموجب خريطة طريق طرحتها أطياف المجتمع المدني لإخراج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية في 2013، شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
على مقلب آخر، تنتظر أطراف المعارضة التونسية التقليدية نتائجها، وسط مخاوف من مآلات الأمور، بعد سنين من التماهي بينها وبين أي حراك سياسي تشهده البلاد. وكان المتحدث باسم «الجبهة الشعبية» المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية، حمة الهمامي، قد أعرب عن أسفه لوجود مشاكل تنظيمية في الانتخابات. وقال الهمامي، وهو أحد الوجوه الكاريزماتية لتلك الأطراف السياسية التي دخلت الانتخابات الحالية مشتتة، إن «هناك الكثير من المشاكل التنظيمية عرقلت للأسف الشديد سير العملية الانتخابية في الخارج... وحتى في الداخل»، مضيفاً «سنرى إن كانت الأحزاب التي تحظى بحظوظ عالية ستحصل على النسب التي تنبأت بها استطلاعات الرأي». إلا أن الهمامي استدرك بالقول: «هذا يوم مفصلي بالنسبة إلينا، وتونس هي أنموذج لكثير من البلدان».