يمكن لإسرائيل أن تجد كل الأسباب التي تفسر احتجاجات الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، لكنها لن تقرّ بأن سياساتها هي العامل الأساسي في دفع الفلسطينيين إلى التعبير بأكثر من طريقة عن رفضهم الاحتلال.، كما ينبغي تأكيد حقيقة مفادها أن مواقف المسؤولين الإسرائيليين، لا تنبع مما يجري على أرض الواقع، بل من الاعتبارات السياسية والحزبية التي تتحكّم كثيراً في بلورة المضمون والمدى الذي يمكن أن تبلغه.
على هذه الخلفية، يأتي اتهام رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو ما سماها «جهات إسلامية متطرفة» بالسعي إلى «إشعال عاصمة إسرائيل» (يقصد مدينة القدس المحتلة)، وهو موقف يريد أن يوحي بأنّ أسباب الاحتجاجات الفلسطينية خارجية ولا علاقة لها بالواقع الذي يعيشه القابعون تحت الاحتلال. وكان من الطبيعي أن يتعهد نتنياهو، في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية، استخدام كل القوة اللازمة لإحباط مآرب تلك الجهات، موضحا أن زهاء ألف فرد من حرس الحدود والوحدات الخاصة «يعززون شرطة القدس».
أما وزير الشؤون الاستخبارية، يوفال شطاينتس، فعزف على وتر آخر حينما حمّل مسؤولية «الأحداث العنيفة» التي شهدتها القدس على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، واصفاً إيّاه بأنه المحرّض الرئيسي ضد «إسرائيل والشعب اليهودي». وهو اتهام آخر يرمي مع أمور أخرى إلى استغلال الحدث المقدسي في سياق تقديم السلطة على أنها ليست شريكاً ملائماً للتسوية النهائية، وكل ذلك بالتزامن مع توالي الدعوات الدولية إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي يعمل اليمين الإسرائيلي على قطع الطريق على تحقيقه.
ولما كان هناك تمايز واضح بالنسبة إلى الرأي العام الإسرائيلي والغربي، بين توجهات عباس وحركة «حماس» وبقية فصائل المقاومة، كان من الضروري على الوزير شطاينتس أن يوضح أن «أبو مازن لا يستخدم الإرهاب»، لكنه «مثل حماس... يتطلع إلى القضاء على دولة إسرائيل ولا يرغب في العيش بسلام معها»!.
الأجواء التي نسجها سياسيّو إسرائيل، من الواضح أنها تأتي تمهيداً لإجراءات عملانية بحق الفلسطينيين، وضمن ذلك أصدر وزير الجيش، موشيه يعلون، تعليمات تقضي بمنع سفر العمال الفلسطينيين في المواصلات العامة الإسرائيلية في الضفة المحتلة، وذلك بعد مطالبة المستوطنين. وذكرت صحيفة «هآرتس» أنه بموجب التعليمات الجديدة التي أصدرها يعلون لن يتمكن العمال الفلسطينيون من الصعود إلى حافلات تقلهم مباشرة من وسط إسرائيل إلى الضفة في نهاية يوم العمل، «بل سيلزمون الوصول إلى حاجز أيال، قرب قلقيليا، البعيد عن الكتل الاستيطانية، ومن هناك يسافرون إلى مناطق سكنهم». ولفتت الصحيفة إلى أن يعلون اتخذ هذا القرار برغم تقويمات جيش الاحتلال بأن سفر العمال بالحافلات المباشرة إلى الضفة لا يمثل خطراً أمنياً.
وكانت لجنة المستوطنين شمالي الضفة قد شنّت، خلال السنوات الماضية، حملة ترمي إلى منع سفر الفلسطينيين في الحافلات التي يستقلونها، لذلك أبلغ يعلون قادة المستوطنين، خلال اجتماعه معهم في مكتبه مؤخراً، أنّه قرّر تطبيق سياسة سماها «إغلاق الدائرة» شمال الضفة مطلع الشهر المقبل، وأنّ الأنظمة الجديدة تقضي بأنّ العمال الفلسطينيين سيكونون ملزمين العودة إلى الضفة عبر الحاجز العسكري الذي خرجوا منه، أي حاجز «أيال».
وجاء القرار رغم قول قائد الجبهة الوسطى، نيتسان الون، إنّ أيّ عامل فلسطيني يعتزم تنفيذ عملية بإمكانه فعل ذلك في «المدن الإسرائيلية» من دون السفر بهذه الحافلات المباشرة، «لأنّ العمليات التي وقعت في الماضي نفذها فلسطينيون دخلوا إسرائيل من دون تصاريح، لا العمال الذين يحملون تصاريح».
في سياق متصل، نقلت صحيفة «معاريف» عن جهات أمنية رفيعة قولها إنه رغم الأحداث التي تشهدها القدس، «لا يعتقدون في المؤسسة الأمنية أن الوضع على وشك التدهور»، مؤكدة أن هذه الجهات لا ترى «أننا على عتبة انتفاضة ثالثة، إذ لا نزال بعيدين عنها».
مع ذلك، يقولون في المؤسسة الأمنية، وفق «معاريف»، إنه منذ عملية «الجرف الصلب» ثمّة محاولات مستمرة من «حماس» و «فتح» لإشعال الأرض «لكنها لم تنجح»، ناقلة عن مسؤول أمني رفيع المستوى انتقاده التصريحات «غير المسؤولة الصادرة عن محافل في اليمين»، ومنها أنه «عندما تتحدث عضوتا الكنيست ميري ريغف وأياليت شاكيد، عن تغيير الوضع الراهن، والدعوة إلى منع المسلمين من الصلاة في الحرم القدسي، أو السّماح بزيارة اليهود إلى المكان، فإن هذه المواقف على قدر من الخطورة، وهي توفر الوقود للمنظّمات المتطرفة التي تحاول إشعال الأرض».