تونس | بعد ثلاثة أعوام على حكمها، مع ما رافق ذلك من نقمة عليها وسط التونسيين، تحاول «حركة النهضة» تقديم صورة جديدة «منقحة» عنها مع تخليها عن عدد من قادتها ومؤسسيها بعدم ترشيحهم للانتخابات التشريعية التي تجري بعد غد الأحد، بعدما قدموا صورة سيئة عن الحركة خلال ثلاث سنوات من عمر المجلس الوطني التأسيسي.
قوائم الحركة المعلن عنها رسمياً خلت من أسماء تاريخية واكبت أعرق حركة إسلامية في تونس منذ تأسيسها رسمياً تحت اسم «الاتجاه الاسلامي» في شهر حزيران ١٩٨١. ومن بين هذه الأسماء، الصادق شورو، الذي لقب بمانديلا تونس لعدد السنوات التي قضاها في السجن في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ولم يتخل طيلة ثلاث سنوات تقريباً من عمر المجلس الوطني التأسيسي عن «الجلابية الأفغانية» في لباسه، كذلك جرى التخلي عن الحبيب اللوز الذي اشتهر بلباسه التقليدي التونسي تحت قبة البرلمان وبالتصريحات التي تحرض على «الجهاد» في سوريا والدعوة إلى تطبيق الشريعة الاسلامية وتضمينها في الدستور. وتخلت الحركة أيضاً عن النائب عن محافظة المنستير، نجيب مراد الذي اشتهر بتصريحاته الحادة والمتطرفة في التعاطي مع ملفات المشهد السياسي.
قبل ٢٠١١ روّجت «النهضة» لخطاب يستمد جذوره من الحركة الإصلاحية

تخلّي «النهضة» عن أسماء كان لها دور بارز في تأسيسها وانتشارها عبر الدعوة في المساجد خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، وحازت أصواتاً أكثر من الأصوات التي حازها زعيم الحركة، راشد الغنوشي، في المؤتمر العلني الاول للحركة في حزيران ٢٠١٢، له أكثر من دلالة محلياً وخارجياً. هو رسالة إلى الشارع التونسي وإلى المجتمع الدولي أيضاً، مفادها أن الحركة قطعت نهائياً مع الخطاب الدعوي الديني، الذي ارتبطت به منذ تأسيسها، وقد دفعتها استحقاقات الحكم وتحدياتها إلى التخلي عنه وتبنّي خطاب مدني سياسي ليس فيه تكفير، ولا يتبنى دولة دينية ولا يدعو إلى تطبيق الشريعة، وبالتالي القطع نهائياً مع منظومة الحركات الاسلامية الإخوانية التي تتبنى منهج السيد قطب وأبو العلاء المودودي والتي يمثل تطبيق الشريعة الاسلامية العمود الفقري لخطابها.
وتستند الحركة في خطابها الجديد كدليل على حسن نياتها إلى الدستور الذي وافقت عليه، وهو دستور يضمن حرية الضمير التي لا يمكن لأي حركة دينية أن تتبناها كما تضمن صوناً لحقوق المرأة، ودعا إلى المساواة وحافظ على قانون الأحوال الشخصية الذي يجرم تعدد الزوجات، وكل هذا يتناقض كلياً مع خطاب الحركات الدينية العربية والإسلامية. الخطاب «المنقح» تحاول الحركة ترويجه قبل الدخول إلى معركة الانتخابات لتفادي الضعف في الأداء الذي ميّز الحكومتين اللتين ترأسهما القياديان في الحركة، حمادي الجبالي وعلي العريض. وعلى الرغم من ذلك لم يطمئن الخطاب الجديد الشارع التونسي الذي جرب طوال الأعوام الثلاثة الماضية الحركة، وعاين ما قامت به من إنجازات، ورأى أنه سيلاقي الفشل أسوة بخطاب الحركة في انتخابات 2011.
قوائم الحركة خلت من أسماء تاريخية واكبت أعرق حركة إسلامية في تونس

فقبل انتخابات تشرين الأول ٢٠١١، روّجت «النهضة» لخطاب حداثي أكدت فيه أنها حركة تونسية تستمد جذورها من إرث الحركة الإصلاحية التونسية، ولكن بمجرد وصولها إلى الحكم بدأت تظهر وجهها الإخواني الحقيقي، إذ منحت الضوء الأخضر للجمعيات الدينية ولأئمة المساجد لشن حملة «أفغنة» تونس عبر نشر التعليم الديني على المنوال الباكستاني، والتضييق على الحريات عبر ما سمّاه زعيمها راشد الغنوشي «التدافع الاجتماعي»، وغضّت الطرف عن تهريب السلاح من ليبيا، ووضعت أنصارها في كل مفاصل الدولة، وعوضت لمساجينها بإعادة انتدابهم والتعويض المالي لهم، وأسّست منظومة إعلام موازية، وأغرقت البلاد بالدعاة الآتين من الخليج ومصر، المعروفين بدعواتهم الغريبة عن المجتمع التونسي، مثل ختان المرأة وفرض الحجاب على فتيات في عمر الطفولة، ومنحت تأشيرة العمل القانوني لأحزاب تعادي على نحو صريح النظام الجمهوري وقيمه، مثل حزب التحرير بزعامة رضا بالحاج، وحزب تونس الزيتونة بزعامة عادل العلمي، الذي دعا إلى ضرب المفطرين في رمضان وتعدد الزوجات والتخلي عن قانون الأحوال الشخصية.
إضافة إلى ذلك، شهدت البلاد في السنوات الثلاث الماضية انهياراً أمنياً بدأ باستهداف واغتيال القيادات المعارضة للحركة، بدأ مع ممثل حركة «نداء تونس»، لطفي نقض الذي عُدّ «أول شهيد» في حكم «النهضة»، واغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد في ٦ شباط ٢٠١٣، واغتيال الزعيم الناصري محمد البراهمي في ٢٥ تموز ٢٠١٣ وقد وجهت التهم على نحو مباشر لـ«حركة النهضة»، وخاصة وزير الداخلية حينها ورئيس الحكومة علي العريض بالوقوف مباشرة وراء الاغتيالين، وصولاً إلى سقوط أكثر من خمسين شهيداً بين الجيش والشرطة والحرس الوطني، إضافة إلى تسهيل سفر آلاف الشبان والفتيات إلى سوريا لقتال النظام السوري.
كل هذا حدث في فترة حكم «النهضة»، فهل ستنجح الحركة مرة أخرى في استمالة الشارع التونسي عبر مشروعها وتجديد الثقة بمرشحيها للانتخابات التشريعية والرئاسية لاحقاً، أم أن التونسيين سيضعون في حساباتهم ما حصل لهم في السنوات الثلاث الماضية، من ازدياد حالات الفقر والبطالة، واكتشاف الاغتيال لأول مرة، والسقوط المتتالي لشهداء الجيش والأمن، وسيحاسبون الحركة عليها في صناديق الاقتراع؟
وفيما تدخل «النهضة» الانتخابات وخلفها تركة ثقيلة شعارها «الديكتاتورية الناشئة» كما سمّاها رئيس حكومتها الأولى، أمينها العام السابق، حمادي الجبالي، تراهن الأحزاب الأخرى المنافسة لها على شعار «استعادة تونس» الديموقراطية هذه المرة في استمالة الناخبين. فأي نصيب لـ«النهضة» في صناديق الاقتراع؟




مقتل مدني وعنصر أمن برصاص «إرهابيين»

أعلنت وزارة الداخلية التونسية، أمس، مقتل مدنيّ وعنصر من جهاز الحرس الوطني برصاص «إرهابيين»، في وقت تخشى السلطات من عمليات «إرهابية» قبل الانتخابات التشريعية المقررة الاحد.
وقال محمد علي العروي، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، في مؤتمر صحافي، ان مسلحيْن قَتلا، ليل أول من أمس، مواطناً في مدينة قبلي (جنوب) بعدما لاحظ محاولتهما تنفيذ عمل «إرهابي» لم يوضحه. وأضاف أن قوات الأمن اعتقلت المسلحيْن اللذين اعترفا بأنهما على علاقة بمجموعة «إرهابية» تتحصن في منزل في منطقة شباو في مدينة وادي الليل القريبة من العاصمة تونس. وتابع أن قوات الامن دهمت فجر أمس المنزل وتبادلت إطلاق النار مع المتحصنين داخله، ما أدى إلى «استشهاد عون (عنصر) الحرس الوطني أشرف بن عزيزة» وإصابة عنصر آخر «إصابة خفيفة»، مضيفاً أن الامن يحاصر حالياً المنزل الذي يتحصن داخله المسلحون.
ويوم 30 آب الماضي أعلن وزير الداخلية لطفي بن جدو أن «هناك تهديدات إرهابية جدية تستهدف أساسا الانتخابات» وأن «جهودهم (الإرهابيين) منصبّة على القيام بضربات تستهدف سلامة الانتخابات».
(أ ف ب)