تتخبط الحكومة التركية في مقاربتها للمسألة الكردية في الداخل التركي وخارجه، وفي اتخاذها موقفاً واضحاً من القتال ضد «داعش». هي ترى حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي الذي يدافع عن عين العرب (كوباني) منذ شهر، جزءاً من حزب «العمال الكردستاني»، وحليفاً للرئيس السوري بشار الأسد. هذه الأسباب كانت كفيلة بحجب أنقرة المساعدة عن كوباني طوال الفترة الماضية.
ووسط الوضع المتأزم بينها وبين الولايات المتحدة، حاولت تركيا تحقيق شروطها، مبديةً حذرها العلني من احتمال استخدام قاعدة أنجرليك الجوية. لكن مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس، أعلنت أن تركيا تعهدت السماح لبلادها ولأعضاء «التحالف» باستخدام القواعد والأراضي التركية وقاعدة أنجرليك.
الموقف التركي يثير التساؤل عن مضمون اتصال أوباما بأردوغان
بقيت أنقرة صامتة إزاء هذا التصريح، حتى أعلن المبعوثان الأميركيان جون آلن وبريت ماكغورك، عن منبر رئاسة الوزراء التركية، اتفاقاً جديداً حول قاعدة انجرليك، واتفاقاً آخر على تدريب «المعارضة المعتدلة». بدت أنقرة مستعدة للتعاون وجاهزة لتدريب ألفي مقاتل من التركمان السوريين من منطقتي دمشق وحلب، حيث ستختارهم الاستخبارات التركية بحسب مواصفات معينة، تتمحور حول مبدأ إسقاط الأسد كمهمة محددة.
من جهته، رسم رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو حدود المنطقة العازلة من ساحل المتوسط إلى القامشلي، وطالب بضرورة استعجال الأمم المتحدة من أجل إقامة هذه المنطقة وإقامة منطقة حظر جوي، في منطقة حلب، على أن تضم إدلب على الحدود مع تركيا، شمال اللاذقية، الحسكة، كوباني وجرابلس. وأصر على قول إن المنطقة التي تريدها تركيا ليست عسكرية، بل «إنسانية».
وكان داوود أوغلو قد انتقد مواقف بعض الدول التي دعت أنقرة إلى التدخل في كوباني من أجل إنقاذ الأكراد، وتساءل: أين كان هؤلاء المنتقدون عند سقوط الرقة وجرابلس والموصل في يد «داعش»؟
تحاول تركيا من خلال هذا الإصرار توجيه رسالة إلى الرأي العام الإسلامي الذي يعتبر أن «داعش» ليس إرهابياً، بل «تنظيم مسلم سنّي يسترجع حقوق السُنّة في سوريا والعراق». وتتخذ الحكومة من جمهورها الإسلامي في الداخل ذريعة لمواجهة الأميركيين بالشروط الثلاثة بعدما زادت عليها شرطاً جديداً، هو إسقاط الأسد. في ظلّ هذه الشروط المعلنة، جاء التأكيد الأميركي، أن لا تغيير في العلاقة مع تركيا لطمأنتها على أثر «المساعدة العسكرية» التي أنزلتها الطائرات الأميركية إلى المقاتلين الأكراد في كوباني.
جاء ذلك بعد انتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان للأميركيين بسبب مساعدتهم العسكرية للحزب الكردي الذي يعتبره معادياً. لكن تلقّيه مكالمة من أوباما في الليلة نفسها يوحي بقلب الموازين. فبعد إعلان الإدارة الأميركية هذه المساعدة، أعلنت أنقرة، بصورةٍ مفاجئة، على لسان وزير خارجيتها سماحها للمقاتلين الأكراد من البشمركة بالدخول إلى كوباني عبر الأراضي التركية. التغيير في الموقف التركي يثير التساؤل عن مضمون المكالمة الهاتفية بين أوباما وأردوغان.