تونس | لا تنكر الحكومة التونسية توجسها من حدوث عملية إرهابية تستهدف العملية الانتخابية في تونس، وخصوصاً أن المدة الفاصلة عن يوم الاقتراع، في الانتخابات البرلمانية نهار الأحد المقبل 26 تشرين الأول، ليست سوى أيام قليلة، يمكن أن تدفع بكتيبة عقبة بن نافع الإرهابية إلى التسريع في تنفيذ «تهديداتها» باستهداف الأمنين والمواطنين وفق ما أعلنت عنه مطلع الشهر الحالي في تسجيل بث على الانترنت.
وقد عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، محمد علي العروي، عن خشيته من وقوع أحداث أمنية تعكر صفو العملية الانتخابية في حديثه لـ «الأخبار». العروي أكد أن «الأجهزة الأمنية حذرت من وقوع عمليات إرهابية تستهدف العملية الانتخابية»، موضحاً أن التحذير «ولّدته معطيات أمنية استخبارية وقراءة للمشهد العام، تنطلق من أن السياق الإقليمي المجاور لتونس يعيش على وقع العماليات الإرهابية»، في إشارة إلى الأحداث في ليبيا.
وكشف العروي أن الأجهزة الأمنية تمكنت من إحباط مخطط إرهابي باستعمال السيارات المفخخة ضد عدد من الأهداف بعد تفكيك خلية إرهابية تضم 7 أفراد من المنتمين لتنظيم أنصار الشريعة في تونس الذي يتزعمه سيف الله بن حسن المكنى «أبو عياض»، ومرتبطة بذراعه العسكرية، كتيبة عقبة بن نافع المتحصنة في جبل الشعانبي في محافظة القصرين، (290 كلم غربي العاصمة)، التي كانت تخطط لشن هجمات وتنفيذ اغتيالات تستهدف شخصيات سياسية وأمنية دون أن يقدم أسماء الشخصيات المستهدفة.
لكنّ مسؤولا حكوميا رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن اسمه، صرح لـ «الأخبار» أن التحقيقات مع العناصر التكفيرية التي جرى إلقاء القبض عليها في الأسابيع الثلاثة الأخيرة كشفت «أن كتيبة عقبة بن نافع أعدت مخططاً لاغتيال كل من رئيس الحكومة المهدي جمعة ووزير الداخلية لطفي بن جدو والناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي»، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
ولفت المصدر الحكومي إلى أن بنك أهداف الجماعات الإرهابية لم يقتصر على تلك الأسماء فقط، بل شملت أهداف حيوية، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية وضعت أبرز قادة الأحزاب تحت حماية أمنية مشددة وتراقب تنقلاتهم في الحملة الانتخابية لمنع استهدافهم، في إطار خطة متبعة تتضمن أيضاً تأمين حوالى 10 آلاف مركز اقتراع.
بدورها، أكدت مصادر أمنية مطلعة لـ «الأخبار» أن «الجماعات الإرهابية كانت تخطط أيضاً لاستهداف السفير الفرنسي في تونس، فرنسوا غويات، عبر استهداف موكبه لدى انطلاقه من مقر إقامته في ضاحية المرسي بسيارات مفخخة، وهو ما عززه تصريح لمصدر من السفارة"، قال فيه إن «وزارة الداخلية اتصلت بهم ودعتهم لرفع الجاهزية الأمنية وأعلمتهم بوجود مخطط لاستهداف السفير».
هذه التطورات عززّت المخاوف من أن تكون «السيارات المفخخة» عنوان المرحلة المقبلة في المواجهات بين الأجهزة العسكرية والأمنية والمجموعات الإرهابية، وهي تتعزز يومياً لدى الأجهزة، وخصوصاً من سيناريو الاغتيالات الفردية أو عبر عمليات تفجير لمواقع الحملات الانتخابية أو مواقع الاجتماعات الشعبية، وهو ما دفع بخلية الأزمة إلى إصدار كتيب بعنوان «دليل أمني للمترشح» تضمن تعليمات وتوصيات أمنية بهدف تقليل الأخطار.
كما أن هذه التهديدات دفعت بالأجهزة الأمنية والعسكرية إلى رفع درجة اليقضة وتعقب «اقتفاء اثر الأسلحة المهربة» وفق مصادر أمنية، أشارت إلى أن التوصيات الجديدة تقضي بمراقبة محيط جبل الشعانبي لوقف عمليات التسلل منه وإليه عبر المناطق الوعرة والأودية وقطع عمليات الإمداد.
جهود الحكومة التونسية لتأمين الانتخابات تطلب منها محاصرة المجموعات الإرهابية المتحصنة بالشعانبي وفرض خناق ضيّق عليها للحد من تحركاتها. ووفق المتحدث باسم وزارة الداخلية، محمد علي العروي، فإن الإجراءات المتبعة نجحت بنسبة كبيرة، ما دفع بـ «كتيبة عقبة ابن نافع» إلى التوجه لنشر كملة مسجلة لقادته لأول مرّة له منذ تأسيسه، بعد الخسائر التي سجلت في صفوفه ومنها إيقاف أكثر من 50 عنصراً من أعضائها، وحجزت كميات من الأسلحة والأموال.




رهان المجموعات الإرهابية

ترسم المجموعات الإرهابية مخططها لاستهداف العملية الانتخابية ليس بالاستناد فقط على نقاط قوتها بل بالعودة إلى نقاط ضعف خصومها، وخصمها هذه المرّة هو الحكومة التونسية التي تراهن المجموعات على أن النخب السياسية في البلاد هي نقطة ضعفها الأبرز، وأنه أول ما تبرز بوادر الأزمة الأمنية ستتكفل هذه النخبة بتحقيق نصف المهمات، عبر استهدافها لأجهزة الدولة وإرباكها، وخصوصاً أن الفصل 74 من الدستور التونسي ينصّ على تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية وإعادة كل إجراءاتها بدءاً من فتح باب الترشح إلى تحديد موعد زمني آخر في حال وفاء أحد المرشحين أو انسحب في الدور الأول الذي ينطلق يوم السبت المقبل.
وما تبحث عنه الجماعات الإرهابية اليوم في تونس هو خلق «مرحلة جديدة» تكرّس الفوضى في البلاد، سواء عبر قلب موازين القوى السياسية وقواعدها الداخلية، أو لجهة المعادلات الإقليمية المعنية بها المنطقة، وخير مدخل «تكتيكي» لها هو ضرب الانتخابات، من أجل ضمان سقوط البلاد في قبضتها، تمهيداً لتنفيذ بقية فصول «خطّتها».
هذه التصور عبّر عنه صراحة في اعترافات الموقوفين من الجماعات الإرهابية المحسوبة على تنظيم أنصار الشريعة الموالي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي وضع خطة لزعزعة الاستقرار تنطلق باستهداف المسار الانتخابي، وأبدى التنظيم حرصاً على ذلك لكن من منطلق مغاير عن تصنيفها للعملية الانتخابية كأحد عناوين الكفر وأن المشاركة في العملية الديموقراطية مهما كانت هي «إقرار بكفر فاعلها» باعتبار أن «الديموقراطية دين كفري»، من وجهة نظرها، وهو ما يستمدّ من قراءة منظري الجماعات الجهادية/الإرهابية للوضع في دول الثورات، ومنها تونس التي خصّت بذكر حينما تعلّق الحديث عن «استحالة التعايش بين العلمانيين والإسلاميين».
ما تعده الجماعات الإرهابية لتونس في الفترة المقبلة هو أن تحول دون إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة من أجل أحداث الفوضى، ورهانها في ذلك أن تأخير إجراء الانتخابات أو إلغاؤها سيدفع بالقوى السياسية إلى التناحر والعمل على استمالة ولاء الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي ترى الجماعات الإرهابية أنها ستنقسم إلى شقين إن شهدت البلاد زعزعة لاستقرارها الأمني والسياسي.