حيفا | تعيد قضية انضمام شباب من فلسطينيي الـ48 إلى صفوف «داعش» الذاكرة إلى الذين خرجوا من فلسطين إبّان الحرب السوفياتية على أفغانستان ليقاتلوا «الغزو الملحد لبلاد المسلمين». اليوم عادت القضية إلى الواجهة، بعدما صار الأمر أقرب إلى الظاهرة، أو القضية اللافتة، لأن اسم فلسطين حضر في المشهد. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد المنضمين إلى تنظيمات تقاتل في سوريا والعراق قد اقترب من الأربعين خلال السنة الجارية، فيما شهد الأسبوع المنصرم مقتل أحدهم مع «داعش» في العراق.
انطلاقا من ذلك، يرى بعض المراقبين أن القبضة الأمنية الإسرائيلية متراخية «عمدا» حيال أولئك المقاتلين مقارنة بمن ينضم، أو حتى يساعد، فصائل فلسطينية مقاومة من فلسطينيي 48، وكذلك الأمر مع حزب الله. وحتى الآن جرت محاكمة 18 مقاتلا عادوا من سوريا والعراق، وفرضت عليهم أحكام «مخففة ورمزية»، الأمر الذي يعيد الخوف من تكرار ما جرى مع «الأفغان العرب ـ الفلسطينيين»، إذ اندمج أولئك المقاتلون في المجتمع العربي داخل فلسطين المحتلة بما يحملونه من فكر ونوازع طائفية، وهو أمر تستثمره إسرائيل في تخويف المسيحيين، وبالنتيجة في دعم جهودها الحثيثة لتجنيدهم في صفوف جيش الاحتلال.
مع القبضة الأمنية المتراخية، ثمة خطاب حاضن للفكر «الجهادي» تمثله الحركة الإسلامية، وظهر جليا في عدة مناسبات كان لها علاقة بسوريا ومصر خاصة، وأخيرا «داعش»، إلى جانب الدعم الملموس لمنظمات بعينها كجبهة النصرة. وفي نهاية المشهد يظهر أن القضية أكبر من كونها حوادث فردية حتى إن لم يصل الأمر إلى خط إمداد حقيقي، فالأرقام لا تزال بالعشرات.
وظهرت هذه القضية في الإعلام بصورة بارزة في شباط 2013، حينما ألقت قوة حدود إسرائيلية القبض على شابين حاولا تهريب آخر عبر الجولان المحتل إلى سوريا، علما بأن الشاب الذي جرى تهريبه كان سجينا جنائيا يقضي إجازة منزلية، لكن الحادثة الأكثر شهرة كانت في أيلول من العام عينه، إذ دخل الشاب مؤيد اغبارية (من أم الفحم) إلى سوريا عبر تركيا ليُذاع نبأ مقتله لاحقا، وقالت الحركة الإسلامية في إعلامها إنه «شهيد سقط وهو يقاتل في صفوف الثورة السورية»، ثم ظهر اغبارية حيّا في شريط يكذب نبأ مقتله، ويشاع أنه الآن مقيم في تركيا.
برغم ذلك، لا دلائل عملية على ضلوع الحركة الإسلامية في تجنيد شبان للقتال في الخارج، مع أن خطابها متساوق مع خطاب «الجهاديين» إلى حد بعيد. وأيضا برغم أن زعيم الحركة، رائد صلاح، دان تصرفات «داعش» ووصفها بالدموية، فإن كثيرين من الذين خرجوا ليقاتلوا مع التنظيم هم منتمون، سابقا أو حاليا، إلى الحركة (الفرع الشمالي).
حادثة أخرى وقعت في مدينة الناصرة (شمال) مطلع أيلول المنصرم، وكانت لها دلالات بالغة تصب في الاتجاه نفسه، إذ رُفعت لافتات لتنظيم «داعش» في ساحة شهاب الدين في المدينة إلى جانب لافتات أخرى تحوي آيات قرآنية. وبعد تذمر الأهالي أزالت الشرطة الإسرائيلية تلك اللافتات بما فيها من آيات قرآنية، وداسها بعض رجال الشرطة أرضا في محاولة لاجتراح فتنة على ما يبدو، الأمر الذي دعا القوى السياسية والحزبية في الناصرة، بما فيها الحركة الإسلامية، إلى استنكار الحدث، لكن بيان الحركة أضاف إلى بيانه «استنكار إزالة رايات داعش» التي وصفها بأنها تحاكي «ختم الرسول محمد».
حاولت «الأخبار» حسم هذا الجدل والتحدث مع المتحدث الرسمي للحركة الإسلامية (جناح رائد صلاح، الشمالي)، لكنه رفض التعقيب عازيا السبب إلى «الوقت المناسب».
على المستوى السياسي في تل أبيب، ما من مؤشرات أيضا على أن الاحتلال بصدد اتخاذ خطوات حقيقية لوقف هذه القضية، لكن يمكن لفت النظر إلى تصريح وزير السياحة في حكومة الاحتلال، عوزي لانداو، الذي طالب بسحب جنسية من ينضمون إلى تلك الجماعات، وأيضا بمنع من خرجوا من العودة.
حتى السياسيون العرب داخل فلسطين المحتلة لا يرون القضية أمرا خطيرا، بل «حوادث فردية لا تسترعي الانتباه»، لكن لا يخلو بعض الانتباه إلى «ناقوس الخطر»، ومنهم الناشط في «اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية»، شادي عبدو، من حيفا. يقول عبدو لـ«الأخبار»: «نرى أن إسرائيل، دولة الاستخبارات المكثفة، هي المعني الأول بخروج هؤلاء، ونتهمها علانية بتيسير قوافل الشباب إلى سوريا والعراق». كما لم يخلِ ساحة «الحركات الإسلاموية» من رعاية هذه الظاهرة.
ويذهب سكرتير «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، أيمن عودة، أبعد من ذلك، ليرى أن «الإخوان المسلمون»، ومن ضمنهم الحركة الإسلامية، «هم الدفيئة طوال عشرات السنين التي أنتجت حالات أكثر تطرفًا مثل داعش، وهي حالة تشبه اليمين الاسرائيلي الأكثر تطرفا». واستدل في تقويمه إلى أن أدبيات الحركة تتعاطف مع «زعيم القاعدة السابق، (أسامة) بن لادن، ويطلقون عليه رسميًا لقب الشيخ الشهيد».
ومؤخرا أشيع في أوساط فلسطينيي الـ48، خبر انضمام الشاب ربيع شحادة (26 عاما، من الناصرة) إلى صفوف «داعش» بعدما ترك خلفه زوجة وطفلا، علما بأنه كان طالبا متفوقا يدرس الهندسة في إحدى الكليات. شحادة انضم بداية إلى صفوف المعارضة السورية، ولاحقا أصبح مقاتلا في «داعش» ليظهر في شريط فيديو وهو يعلن تبنيه نهج التنظيم.
وكان أول فلسطيني من 48 يقتل مع «داعش» الشاب أحمد حبشي من قضاء الناصرة، وهو اختفى مطلع العام بعدما أعلم أهله بعد مدة من اختفائه أنه في سوريا، ولاحقا أخبرهم أنه في العراق. في بداية الأسبوع علمت عائلته، عن طريق صديق كان برفقته من أم الفحم، أن حبشي «قد استشهد».
وبالتزامن مع مقتل الأخير أثيرت شبهات عن «انضمام ثلاثة شبان من يافة الناصرة إلى التنظيم وفق إفادة صديق رابع كان برفقتهم وعاد إلى البلاد»، وفيما تدين عائلات المنضمين ما يفعله أبناؤها، فإن عائلات الشبان الثلاثة المذكورين رفضت الحديث عن الموضوع.
وفق المصادر الإسرائيلية، فإن قرابة أربعين شابا من الـ48 انضموا إلى صفوف تنظيمات جهادية (منها داعش) في سوريا والعراق، لكن 18 منهم عادوا وفتحت معهم إجراءات قضائية. وما يعكر صفو الصورة أنه في ظل المواجهات التي يخوضها الفلسطينيون من أجل الحرية، يخرج من يقاتل في غير البلاد بحثا عن «خلافة ضائعة» قد تعيد القدس إلى فلسطين. وقبل يومين صرح كمال خطيب، وهو نائب رئيس الحركة الإسلامية، بأن القدس يجب أن تكون «عاصمة الخلافة الراشدة». ومع أن الخطيب لم يوضح لسامعيه عن أي خلافة يتحدث في ظل التهويد الذي يقضي على القدس، فعلى كثيرين أن يتذكروا أن ذكرى «وعد بلفور» قد اقتربت، فلا داعي لوعود أكثر شرّا!