تكاد نهاية هذا الشهر تبدو حاسمة في تاريخ السلطةالفلسطينية بعد أكثر من عشرين عاما على خيار «غصن الزيتون»، وكل يوم قبل الموعد المنشود صار مسرحا للتصريحات السياسية بدءا من أعلى الهرم، محمود عباس، نزولا إلى كل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحتى حكومة التوافق (التكنوقراط)! تصريحاتٌ تشي في مجملها بأن ما عُمل عليه «مشروع كبير» سينقل فلسطين إلى مربع الدولة، وأن كل ما يعيق مقترح إنهاء الاحتلال هو عدد الأصوات المرجو تحصيلها، فضلا عن الخوف من «الفيتو» الأميركي.هذا ما يريد عباس أن يقوله حينما يصرح بأن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، طلب تأجيل تلك الخطوة إلى بداية العام المقبل، خلال لقائهما الأخير في القاهرة على هامش مؤتمر إعمار غزة، لكن «أبو مازن» أبدى تمسكه بما يفكر فيه، وخاصة أن «ما نريده من مجلس الأمن هو ما جاء في مشروع حل الدولتين الأميركي (نفسه) ليس أكثر».
وفيما كان يصف رئيس السلطة «الضغط الأميركي» بالفيلم الهندي الذي رآه كثيرا، خرج أمين السر في اللجنة التنفيذية للمنظمة، ياسر عبد ربه، ليقول أول من أمس، إنهم ضمنوا حتى اللحظة سبعة أصوات في مجلس الأمن. وقرن عبد ربه التغييرات في عضوية الدول غير الدائمة العضوية (جرت خلال اليومين الماضيين) بمصلحة السلطة، فغالبا «سنحصل على تأييد خمس دول أخرى بعد التغيير».
لندع التصريحات جانبا وننظر في مراسلة بعثها رئيس البعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور، إلى «سيادة الرئيس أبو مازن» في نهاية شهر أيلول الماضي، وسُربت إلى «الأخبار». المراسلة تتحدث عن نتائج الاجتماع الذي جرى مع مجلس السفراء العرب وطلبته السلطة من أجل مناقشة مشروع القرار الخاص بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال، وأبرز النتائج التي خلص إليها الاجتماع أنه حدد المدة الزمنية لإنهاء الاحتلال بعامين، بعدما كانت مفتوحة من سنتين إلى ثلاث سنوات!
بعد ذلك، يشرح منصور لعباس أن ممثلي كل من السعودية والعراق ولبنان والكويت وقطر ركزوا على «المرونة» في طرح المشروع «تحت ذريعة» أن تغير عضوية مجلس الأمن لبعض الدول سيكون من مصلحة السلطة، لذا يمكن تأجيل المقترح حتى بداية العام المقبل، وهو فعلا ما تلاقى مؤخرا مع الرغبة الأميركية إن عن مصادفة أو تنسيق، لكن منصور أوضح أنه لم يعط جوابا في ذلك لأنه ليس من «صلاحياته».
وذكر السفير أنهم يسعون إلى «تسعة أصوات» كحد أدنى «ما يجعل فرنسا ولوكسمبورغ دولا مهمة لهذه الغاية»، وفي الخلاصة جرى إقرار خطة التحرك عبر الأردن، وهو العضو العربي في المجلس الذي يمكنه تمثيل «الأردن وفلسطين» بالإضافة إلى الترويكا العربية. وذيّلت الرسالة بالإشارة إلى أن «النفوذ الأميركي» عند العرب «أخّر هذا المسعى، وهو ما ظهر في مواقف عدد من الدول العربية التي يتوقع أن تبقى كذلك».
وقد لا يكفي هذا «التشاؤل» الذي طرحه منصور لتحديد مدى ثقة السلطة ووعيها لما تفعله، لذلك يمكن النظر في المشروع نفسه الذي سيقدم إلى مجلس الأمن وكان مرفقا مع الرسالة باللغة الإنكليزية، وبعد مقدمة وعرض للأسباب التي دعت إلى المشروع، فضلا عن جملة القرارات التي اتخذها مجلس الأمن منذ عام 1947 بشأن فلسطين، فإن 14 نقطة رئيسية، وضمنها نقاط فرعية، تُجمل التصوّر الفلسطيني للدولة.
ويمكن تقدير أن هذه النقاط (ملف الرسالة مرفق في نهاية التقرير) ركزت على توجهات معروفة سابقا للسلطة، لكن علامات استفهام كثيرة توضع على آليات تنفيذ البند الثالث، وخاصة أنه يظهر أن السلطة تطلب ما لا تعرفه! يتفرع البند المذكور إلى ثلاث نقاط أخرى فرعية، الأولى تنص على «انسحاب إسرائيل، القوة المحتلة، الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967، بما يشمل القدس الشرقية، وذلك في أسرع وقت ممكن، وأن ينجز ذلك وفق أجندة زمنية محددة، بطريقة ألا تتعدى شهر تشرين الثاني 2016، إضافة إلى تحقيق دولة فلسطينية مستقلة وسيّدة، وأن يكون للشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره».
أما اللغم، فهو في البندين الفرعيين اللاحقين، إذ ينص الثاني على «حل عادل لوضع القدس كعاصمة لدولتين»، فيما يطلب الآخر العمل على «حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين بما يتوافق وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 (III) الصادر في 11 كانون الأول 1948».
ولا يبدو أن كلمة «حل عادل» في كلتا الجملتين تحمل رؤية أو تصورا واضحا يراعي التغيرات التي جرت في السنوات الأخيرة، إذ إنه ليس من المعقول تقديم طلب بوضع شرقي القدس مكانا للانسحاب الإسرائيلي ثم طلب «حل عادل» لتكون المدينة كلها عاصمة لدولتين، فضلا عن أن غياب تصور واضح وتفصيلي في ما يخص اللاجئين يعني أن هذه الدولة ليست لهم، بل لمن هم موجودون فيها حاليا!
بالانتقال إلى البند التاسع، جرت إشارة مهمة إلى ضرورة «حماية المدنيين» حتى لو تطلب الأمر «حضورا دوليا» لم يحدد نوعه أيضا، فيما ربط هذا البند بالنقطة الثالثة عشرة والأخيرة التي تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة عرض تقرير أول بعد ثلاثين يوما من تاريخ القرار، ثم تزويد المجلس بالتطورات على خطوات تنفيذ المقترح كل شهر أيضا.
كذلك جرت الإشارة إلى غزة وإعمارها على أنها جزء من الدولة الفلسطينية المرتقبة، لكن لم توضع أيضا أي تصورات تخص القطاع خارج فكرة الإعمار، فضلا عن أن قضايا أخرى كالأسرى والمستوطنات والحواجز والمعابر لم يوضح مصيرها، وكيف يمكن أن تعيش «الدولة المطلوبة» بعد إنهاء الاحتلال!

للإطلاع على الرسالة انقر هنا