القاهرة | «مركز كارتر للديموقراطية» الذي يديره الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، أغلق مكتبه في مصر، وقال في بيان مقتضب إنه لن ينشر بعثة لمراقبة الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن «المناخ الراهن في مصر ليس من شأنه أن يقود إلى انتخابات ديموقراطية حقيقية».
إغلاق مفاجئ، أقلق حقوقيين كثراً: «هل نغلق أبوابنا أيضاً؟»، واستفز السلطة التي تبذل جهوداً مُضنية لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي. فها هي الخارجية المصرية تستبق كل ردود الفعل وتقول في بيان رسمي، مساء أول من أمس، إنها تلقت بالاستغراب والدهشة ما صدر أخيراً عن المركز بشأن اتخاذه قراراً بإغلاق المكتب في القاهرة «في ضوء ادعاءات تتعلق بالتضييق على أنشطة المجتمع المدني والأحزاب السياسية قبل إجراء الانتخابات البرلمانية».
قرار «مركز كارتر» ربما يُحرج الدولة المصرية في الخارج، وقد يكون بداية لانسحاب عدد من المنظمات الدولية التي دأبت على مراقبة عمليات الاقتراع منذ ثلاث سنوات، وعدد منها غادر مصر بالفعل في الأشهر الأخيرة. وربما يُفسِر ذلك اللهجة الحادة لبيان الخارجية، الذي أوضح أن موقف المركز «يتناقض مع ما تم إخطار الوزارة به في كتاب رسمي من المدير الإقليمي للمركز بتاريخ 31 آب الماضي، يتقدم فيه بالشكر إلى السلطات المصرية على تعاونها مع المركز على مدار السنوات الثلاث الماضية، ما كان له بالغ الأثر في تسهيل مهمته في متابعة خمسة استحقاقات دستورية منذ ثورة يناير 2011، معللاً اتخاذ المركز هذه الخطوة في إطار إعادة توجيه موارد المركز لمراقبة عمليات انتخابية في دول أخرى، دون أي إشارة إلى الأوضاع السياسية في البلاد».
واستطرد البيان «ولا شك أن ذلك التناقض يعكس حالة من الازدواجية في مواقف المركز، وخاصة أن خطاب مدير المركز في آب الماضي نوه بأن قرار الغلق جاء لاعتبارات لوجستية بحتة. ما صدر عن المركز أخيراً من مغالطات وادعاءات في المواقف وتناقضات فجة مع الواقع، إنما يثير الشكوك حول حقيقة توجهات المركز ودوافعه، بل وأهدافه والتي يزعجها مناخ الاستقرار الذي تتجه إليه البلاد يوماً بعد يوم مع قرب انتهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات البرلمانية، رغم أعمال العنف والإرهاب التي تشهدها البلاد».
المركز الأميركي، الذي يعمل في البلاد منذ اندلاع «ثورة يناير 2011»، كان له رأي يخالف رواية الخارجية المصرية. فهو قال في بيانه إن «المجتمع المدني المصري والمنظمات الدولية تواجه قيوداً متنامية تحدّ من قدرتها على القيام بمهمة مراقبة الانتخابات بطريقة تتسم بالصدقية. فمع اقتراب إجراء انتخابات برلمانية في وقت لاحق هذا العام، فإن المركز يدعو السلطات المصرية إلى اتخاذ خطوات لضمان الحماية الكاملة للحقوق الديموقراطية الجوهرية للمصريين، بما فيها الحق في المشاركة السياسية والحريات الأساسية المتعلقة بحقوق التنظيم والتجمع والتعبير».
موقف جيمي كارتر من العملية السياسية في مصر، بعد «انتفاضة 30 يونيو»، لم يتغير تقريباً. فكارتر أعلن مرّات عدة انحيازه للرئيس المعزول محمد مرسي، وانتقد عملية «التحول الديموقراطي». وهو قال، في بيان رسمي، قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في أيار الماضي، إن مركزه لن يراقب الانتخابات الرئاسية المصرية، وإنه سوف يرسل خبراء لمتابعتها، «التحول الديموقراطي في مصر يقف على حافة الهاوية».
الوسط الحقوقي المصري، انقسم حول الخطوة، فجزء من الحقوقيين رحب بها وقال إنها لن تؤثر على سمعة مصر دولياً، ولا على نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة، فيما رأى آخرون أن الخطوة التي اتخذها المركز الأميركي قد تكون مؤشراً على قرب إغلاق منظمات حقوق الإنسان، وخاصة مع قرب انتهاء المهلة الحكومية (10 تشرين الثاني المقبل)، التي بموجبها إما أن توفّق هذه المنظمات أوضاعها طبقاً لقانون الجمعيات الأهلية، أو توقف نشاطها نهائياً، وأيضاً أن توفّقها في ظل المادة 78 من قانون العقوبات، وهي مادة صدق عليها رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، لتقيد عملية تلقي التمويل الأجنبي بشكل استثنائي، بل إنها تقر عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة على من يتلقونه «بهدف الإضرار بالبلاد».
حزبياً، هاجم عدد وافر من الأحزاب المدنية «مركز كارتر»، واعتبروه «جزءاً من مؤامرة دولية على مصر»، فيما هلّل أنصار «جماعة الإخوان» للخطوة، واعتبروها «صفعة قوية في وجه الانقلاب»، على حد تعبير القيادي الإخواني، هيثم أبو خليل، مدير «مركز ضحايا حقوق الإنسان».