في خضم الانقسام إزاء النظرة الإسرائيلية إلى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بين من يعتبره شريكاً للتوصل إلى تسوية نهائية، وآخرين ينفون عنه هذه الصفة، وضع وزير الجيش، موشيه يعلون، الحد الفاصل بالقول إن أبو مازن ليس شريكاً في حل الصراع، «بل هو شريك في المحادثات» وتحديداً إدارة الصراع.
وبرغم أن يعلون لم يقدم جديداً جوهرياً، فإنه يبقى لمواقفه وقعها وأثرها، وخاصة أنه أجمل الرؤية التي يتبناها معسكر اليمين من دون إغفال حقيقة وجود تباين داخل هذا المعسكر، مع أنها الرؤية نفسها التي تتبناها حكومة بنيامين نتنياهو إزاء المسار الفلسطيني.
أهمية التعبير الذي استخدمه يعلون، في توصيف النظرة اليمينية إلى موقع عباس في الاستراتيجية الإسرائيلية، تنبع من كونه يشكل إطاراً تفسيرياً للكثير من التكتيكات التي تتبعها حكومة نتنياهو في معاملة السلطة. ومن ضمن ما تعنيه مقولة يعلون، إسرائيلياً، أن عباس شريك في توفير الغطاء السياسي لإسرائيل، وبلغة أخرى هذا يسمح لها بالجمع بين تخليد الوضع القائم والتوسع الاستيطاني، وبين احتواء الشارع الفلسطيني منعاً لانفجاره وتحوله بالكامل إلى خيار المقاومة.
أيضا، يشير كلام الوزير إلى أن إسرائيل تستفيد من وجود عباس في إدارة الصراع، لكونه يسمح لها بتقديم نفسها كطرف يسعى إلى التسوية النهائية إزاء الرأي العام العالمي وحتى الإسرائيلي، وبعض العربي، ما دام لم يبادر إلى مصارحة شعبه بعقم الرهان على خيار المفاوضات.
أما عن الأسباب التي يتخذها «اليمين» لوصف الرئيس عباس بأنه ليس شريكاً للتسوية النهائية، فهي تعود، كما عبر يعلون، إلى أنه لم يقل (عباس) إنه سيعترف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، ولم يقل إن التوصل إلى اتفاق، حتى بحدود 1967، سيكون نهاية للصراع ويضع حداً للمطالب، كما لم يقل أبداً إنه تنازل عن حقوق اللاجئين.
وتجدر الإشارة إلى أن اتهام يعلون وغيره من رموز اليمين للرئيس عباس يأتي برغم التنازلات الكبيرة التي قدمها تيار التسوية داخل الساحة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو الذي تضمن تنازلاً نهائياً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وتشكل نحو 78% من مجمل مساحة فلسطين التاريخية، إضافة إلى قبول حلول وسط تتعلق بالأراضي الباقية التي احتلت 1967.
كذلك، كان يعلون دقيقاً في توصيف حقيقة الطرح الإسرائيلي في ما يتعلق بشعار حل الدولتين، بالقول إن «الفصل السياسي قد حدث»، مفسراً ذلك بالإشارة إلى أن إسرائيل «لا تدير حياة الفلسطينيين في الضفة وغزة، وهذا الفصل مهم جداً». ولجهة إطلاق «صفة» الدولة على الكيان السياسي الذي يدير الشأن الفلسطيني، قال: «ليطلقوا عليه الإمبراطورية الفلسطينية، لكنها ستكون حكماً ذاتياً، ومنطقة منزوعة السلاح... هذا خلق لتسوية مؤقتة تخدم مصالحنا».
أيضاً، هو كرر رؤية نتنياهو التي تهيمن على الخط السياسي للحكومة الإسرائيلية الحالية إزاء الواقع الاقليمي، وفسر بالقول: «هناك أفق سياسي لا يمر من طريق رام الله، بل من طريق عواصم عربية أخرى من دون اتفاقات، وعلى أساس المصالح المشتركة... ليس هناك أفضل من وجود أعداء مشتركين لنا وللدول السنية، مثل إيران والإخوان المسلمين والمحور الشيعي وعناصر الجهاد العالمي والقاعدة». ومع ذلك، لفت إلى أن إسرائيل «لا تزال تعتبر جسماً غريباً عن المنطقة، لذلك توجد صعوبة في التطبيع»، مضيفاً: «العلاقات تقتضي أولاً وجود مصالح، فأي اتفاق من دون مصالح ليس له قيمة». ولمح في الوقت نفسه إلى تعزز السلام مع الأردن ومصر.
يعلون نفسه أكد، في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، استمرار البناء الاستيطاني في الضفة المحتلة، ولفت إلى التكتيك الذي تتبعه الحكومة الإسرائيلية في سياستها الاستيطانية بالقول: «لا يحصل أي تأخير في التصديق على مشاريع البناء، لكن قد يحصل تأخير في النشر عن مشاريع البناء بهدف تجنب الاحتجاجات والقرارات الدولية».
واستغل الموقف ليشدد على أن علاقات إسرائيل ممتازة بالأجهزة الأمنية في البنتاغون، لكن في الوقت نفسه هناك خلافات مع الإدارة الأميركية «في المسائل السياسية الملحة كإيران، والفلسطينيين، وبقية قضايا الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنها «تنبع من الفارق في المفاهيم والآراء، ومن كونهم ينظرون إلى الأمور من هناك، بينما ننظر إليها من هنا... مقابل الولايات المتحدة هناك الكثير من المصالح المشتركة التي تتغلب على الخلافات».
على خط مواز، رأى وزير الجيش، في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنه منسجم مع نفسه لدى اتخاذه القرار بالتصديق على إلقاء قنبلة على منزل كان يعلم أن داخله بنات وزوجة قائد كتائب القسام، محمد ضيف، لكنه لم يستطع أن يحسم مصير الضيف نفسه.
في ما يتعلق بالاتهام الموجه من معسكر اليمين المتطرف إلى أنه، ونتنياهو ورئيس أركان الجيش بني غانتس، قرروا ألا يسقطوا سلطة «حماس» في غزة، فإنه أجاب: «الحرب على القطاع لم نصل إليها فجأة، فقد كانت هناك مباحثات معمقة سابقة بشأن غزة وجبهات أخرى مثل لبنان وسوريا وأماكن أخرى أبعد. وطرحت إمكانات كثيرة، وخطط عمل كثيرة، من ضمنها إمكانية الدخول إلى غزة واحتلالها وتطهيرها»، مستدركاً: «وفق حسابات الكلفة والجدوى توصلنا إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تنفيذ عملية من هذا النوع، لأن أحداً لن يكون قادراً على استبدال الاحتلال، «لا أبو مازن، ولا مصر، ولا جامعة الدول العربية، ولا الأمم المتحدة... سنظل عالقين هناك».
وبالمقارنة مع عملية السور الواقي عام 2002، رأى أن إسرائيل احتاجت إلى ثلاث سنوات كي تتمكن من تطهير الضفة «مع أن الحديث كان يدور عن مئات (المقاومين)، فيما الآن هناك عشرات الآلاف في قطاع غزة». وأشار إلى أنه في معركة مخيم جنين قتل 23 جندياً إسرائيلياً، «لكن الوضع في قطاع غزة سيكون أكثر تعقيداً». ولفت أيضاً إلى ما سماه «مدينة تحت الأرض من الأنفاق»، لذلك فإن المسألة في مثل هذه الحالة «تصبح الثمن الذي ستدفعه إسرائيل وما ستجنيه». وتناول في سياق التبرير «تطور الأسلحة الموجودة في القطاع» بالمقارنة مع كان موجوداً خلال السور الواقي، خاصة ما يتعلق بصواريخ الكورنيت.