بغداد | اتخذت «داعش» خلال حربها على مدى ثلاثة أعوام في سوريا وأكثر من 120 يوماً في العراق استراتيجيات تختلف عن نظيراتها من التنظيمات الإرهابية «الجهادية» كالقاعدة وأنصار الشباب وبوكو حرام.وهذه الاستراتيجيات اعتمدت أساساً على حصار المدن والسيطرة على المواقع والمؤسسات الاستراتيجية، ولا سيما المائية ومصادر الطاقة.

حديثة المدينة الصغيرة الغافية على ضفاف نهر الفرات (260 كم غرب العاصمة بغداد) تُعَدّ من أهم المدن الحيوية التي يحاول «داعش» السيطرة عليها لاحتوائها على سد تقع خلفه بحيرة ضخمة، وتتحكم بوابات السد بنهر الفرات الممتد إلى مناطق الوسط والجنوب و100 ألف نسمة من سكان المدينة نفسها.
ومنذ نكسة العاشر من حزيران وسيطرة «داعش» على العديد من المدن، ومنها أجزاء كبيرة من الأنبار، والتنظيم يحاول دخول حديثة بعدما أحكم سيطرته على بعض المناطق القريبة منها مثل عانه وراوه في أعالي حديثة، وناحيتي بروانة والحقلانية أسفلها، التابعتين أصلاً للمدينة.
العقيد خالد المفرجي أحد ضباط الشرطة في قضاء حديثة، أوضح لـ«الأخبار» أن «المدينة تتعرض منذ أكثر من 120 يوماً لهجوم «داعشي» شبه يومي ومتكرر عبر السيارات المفخخة والقصف المدفعي والصاروخي والاشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة، إلا أن الخطوط الدفاعية التي وضعتها المدينة لا يمكن اختراقها بسهولة، نظراً إلى معرفة أهالي المنطقة جيداً بجغرافية الأرض، فضلاً عن الطبيعة القبلية التي تتميز بها المدينة ووجود أشرس قبائل الرمادي «البونمر» فيها».
دعوات للحكومة باستدعاء قوات النخبة لاستعادة هيت وفك الحصار عن حديثة

وأضاف المفرجي: «بعدما عجز التنظيم عن كسر الحواجز الدفاعية للمدينة واختراقها، بدأ باتخاذ استراتيجية جديدة لإرضاخها، بعدما استقتل التنظيم للحصول على قضاء هيت الذي يعد حلقة الوصل الوحيدة الباقية بين حديثة والرمادي مركز محافظة الأنبار».
واجتاحت «داعش» منذ يومين مدينة هيت بعد قتال عنيف خاضته القوات الأمنية العراقية، إلا أن القوة التي كانت تقودها «داعش» كانت بالآلاف، ما أدى إلى تقهقر القوات العراقية وسيطرة التنظيم على المدينة بالكامل.
وبسيطرة التنظيم على هيت فإنه قطع بذلك الطرق الرئيسة الرابطة بين حديثة والرمادي، وانقطعت الإمدادات نهائياً عن حديثة، وحذّر مسؤولون محليون فيها من نفاد المواد الغذائية، ما قد يؤثر في صمود المدينة بوجه «داعش».
ويعلم زعيم «داعش»، أبو بكر البغدادي جيداً أن مناطق الوسط والجنوب لطالما كانت عصية على التنظيم من الخروقات لعدم وجود حواضن ومضافات للتنظيم وللاختلاف الأيديولوجي والعقائدي مع الفكر التكفيري المتطرف.
وهذا الإدراك لعدم قدرة «داعش» على الاقتراب من أسوار مناطق الوسط والجنوب التي استعدت جيداً للمواجهة، دفع التنظيم إلى اللجوء إلى حرب المياه، التي تُعَدّ أحدث أنواع الحروب، التي استخدمتها إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثلاً للضغط على الدول المتشاطئة، ولا سيما دول المصب وتحقيق مصالح شخصية.
الخبير المائي حسن الجنابي، حذر الحكومة العراقية من مغبة سيطرة «داعش» على سد حديثة، معتبراً ذلك كارثة كبيرة ستحل على مناطق الوسط والجنوب.
وبيّن الجنابي لـ«الأخبار» أن «سد حديثة هو ثاني أكبر سد في العراق بعد سد الموصل، ويقع على حوض أعالي الفرات، وتبلغ سعته الخزنية (8،3) مليارات م3 بمساحة خزان 503 كيلومترات مربعة، وهو يعتمد على 6 أبواب شعاعية تتحكم بتصريف المياه من خلاله».
ويتابع: «الكارثة الكبرى فيما سيطر تنظيم داعش على السد أنه سيتحكم بشكل كامل بنهر الفرات من خلال التحكم بالإطلاقات المائية عبر السد، ونخشى أن يفعل كما فعل بسدة الفلوجة عندما أغلقها إغلاقاً تاماً، ما أدى إلى انقطاع الماء عن الوسط والجنوب من جانب، وغرق مساحات واسعة من الفلوجة، وصولاً إلى مناطق أبو غريب على تخوم العاصمة بغداد».
يخرج نهر الفرات عبر بوابات سد حديثة ليمر أولاً بالرمادي مركز محافظة الأنبار، فالفلوجة، ثم ليخرج منها متجهاً إلى وسط العراق، فيدخل مدن محافظات بابل فكربلاء فالنجف ثم القادسية والسماوة والناصرية، مروراً بالبصرة ليصل إلى شط العرب في أقصى جنوب العراق.
وبهذا المسار، يمر نهر الفرات بـ 7 محافظات في وسط العراق وجنوبه، وتُعَدّ ذات أغلبية «شيعية»، وهي تعتمد مائياً على النهر اعتماداً كلياً، ولا سيما مع ارتفاع نسبة الملوحة بالمياه الجوفية في تلك المناطق، ما يُصّعب عملية استخدامها لأغراض الشرب والطبخ خصوصاً.
ولأهمية حديثة الاستراتيجية طالب عدد من الخبراء السياسيين والأمنيين الحكومة بتعزيز وجود القوات الأمنية فيها واسترجاع قضاء هيت لفتح طريق الإمدادات مرة ثانية باتجاه مدينة الرمادي.
وطالب المحلل السياسي، عارف الدراجي، الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة بالتحرك السريع لفك الحصار عن قضاء حديثة واستعادة هيت.
وأكد الدراجي في حديث لـ«الأخبار» أن «سيطرة داعش على حديثة وسدّها تعني الموت المحتم لأهالي الوسط والجنوب، لأن جميع المعلومات التي تصلنا تؤكد نية التنظيم بغلق بوابات السد كاملاً وتجفيف نهر الفرات كلياً، وهذا سيؤدي إلى وقوع أكثر من سبع محافظات تحت وطأة الجفاف التام».
هذا في الوقت الذي دعا فيه الخبير الأمني، علي الشمري، خلال حديث لـ«الأخبار» القيادة العامة للقوات المسلحة «إلى استدعاء قوات النخبة العراقية وعدد كبير من الحشد الشعبي لاستعادة هيت وفك الحصار عن حديثة في الوقت نفسه، نظراً إلى أهميتها، وأنها ستكون سلاحاً فاعلاً بيد «داعش»، فيما سيطر التنظيم عليها».