بغداد | يوم الاثنين الماضي، لم يتردد أي عراقي في السؤال عن مطار العاصمة، ولأن مواقع التواصل الاجتماعي أسرع وسيلة لانتشار المعلومة، كتب عدد كبير منهم في تلك الصفحات عن أحوال المناطق الأخرى. لكن أكثر سؤال طرح كان عن مناطق غربي العاصمة التي تقع في قاطع الكرخ الذي يرتبط بحدود مع مناطق وجود «داعش» في محافظة الأنبار.الحديث عن وضع العاصمة الأمني شغل العراقيين أجمع مع الأحاديث الكثيرة التي روجت عن مرابضة «داعش» على تخوم العاصمة.

تصريح رئيس أركان الجيش الأميركي، مارتن ديمبسي، عن إحباط طائرات «الأباتشي» الأميركية لهجوم شُن على مطار بغداد الدولي، زرع قلقاً لدى أهالي العاصمة، الذين انتبهوا في ما بعد أن الإعلام الأميركي يحاول تبييض وجه إدارة الرئيس باراك أوباما وإظهارها بدور المدافع الأقوى والأوحد عن العراق.
يُعاب على وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد ووزارة النقل العراقية، أنها لم تصدر أي بيان بخصوص ما تحدث به ديمبسي، فلم يتم تأكيد الخبر أو نفيه، وبقي على حاله من مصدر واحد.
الإعلام الغربي أدى خلال اليومين الماضيين دوراً سلبياً، كاد يسبب انهيار بعض مناطق العاصمة العراقية وزعزعتها. لكن المواطن البغدادي تذكر جيداً اللعبة الإعلامية التي انتهجها تنظيم «داعش» في أحداث الموصل التي سيطر عليها عبر مواقع «فايسبوك» و«اليوتيوب».
الأخبار عن قرب اقتحام «داعش» للعاصمة العراقية لم تتوقف مع استمرار وسائل الإعلام العربية والغربية ببث الأخبار عن قرب اجتياح عشرة آلاف مقاتل من التنظيم لبغداد، ولأن الشائعة أسرع ما يُمكن انتشاره، تحدثت وسائل إعلام عن تخزين العائلات العراقية لمواد غذائية خشية حدوث أي طارئ.
كثفت قوات الأمن وجودها في مناطق غرب العاصمة التي ترتبط بحدود مع محافظة الأنبار

إعلاميون ومدونون عراقيون، تعاملوا مع ما وصفوه بالشائعة عن هجوم مزمع على بغداد بالإعلام، فتداولوا هاشتاغ (#بغداد_بخير)، لكن الحال لم تتوقف عند هذا الحد، ولأن الصورة تغني عن ألف كلمة، نشروا صوراً سريعة لكل مناطق بغداد، فكان دورهم إيجابياً أكثر من دور وسائل الإعلام التابعة للدولة العراقية، التي تنتهج الفن الكوميدي المستهزئ كسلاح لمواجهة إعلام «داعش» المُتحرك على أساس كابينة كبيرة من المهنيين.
نائب رئيس اللجنة الأمنية في حكومة بغداد المحلية، سعد المطلبي، أوضح أن «الشائعة التي اعتمدها تنظيم «داعش» في زعزعة أمن العاصمة وإثارة الرعب في نفوس المواطنين، لم تعد تنفع، لأن الجميع عرف اللعبة، حتى ميدانياً، فقوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي تُسيطر على حدود العاصمة على بعد مسافات كبيرة».
وأضاف المطلبي لـ«الأخبار» أن «هناك استعدادات كبيرة، وعمليات استباقية تقوم بها الأجهزة الأمنية العراقية، التي كثفت وجودها في مناطق غرب العاصمة، التي ترتبط بحدود مع محافظة الأنبار، معقل وجود تنظيم داعش».
المفاجأة التي لم يتوقعها أحد، أن سكان العاصمة بغداد، وهم خليط من مكونات مختلفة، اتفقوا على حمل السلاح إن مسّ العاصمة أي خطر، وقد لا يتوقف التسليح على الجماعات الإسلامية والعشائرية فقط، بل برزت في الفترة الأخيرة نشاطات مدنية لعلمانيين، أبدوا استعدادهم لحمل السلاح.
الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، نصح «بنشر القوات الاتحادية العراقية بطريقة نصب الكمائن والتربص بتنظيم «داعش» على طول المناطق التي يعتقد أنها رخوة، من خلال التعاون الجاد مع العشائر المحاذية لحزام بغداد الأمني، جنوبي العاصمة وغربيها».
ويشدّد الهاشمي، صاحب كتاب «عالم داعش» خلال حديثه لـ«الأخبار» على «ضرورة وضع الأبراج المحصنة للرصد والقنص، وغلق الطرق الميسمية، وحفر الخنادق العريضة والعميقة في المناطق الزراعية».
قد تشهد العاصمة العراقية، التي تدخل قواتها في حالة إنذار، بعض الأحداث الصغيرة، التي تُثار في مناطق يجد فيها جند البغدادي ملاذاً آمناً على أساس الطائفة، لكنها ستُخمد بسرعة، نتيجة الوجود الميداني المكثف لأجهزة الأمن العراقية، وحشود المتطوعين.
لن تكون بغداد بعيدة عن النار، لكنها ستكتفي بنار المفخخات والأحزمة الناسفة، ولن تشهد أي صراع مسلح على مستوى المواجهات العسكرية التي اعتادتها طوال العقد الماضي، رغم وجود تكثيف عسكري فيها، ومئات السيطرات التي تُقطع شوارعها.