وجب على حمص تقديم العشرات من أطفالها على مذبح الحرب لتتحول إلى محجّة لقيادات البلاد. فجأة أصبح أهالي المدينة عزيزين على الحكومة التي أرسلت الوفد تلو الآخر للمشاركة في مراسم العزاء باستشهاد أطفال مدرستي عكرمة المحدثة وعكرمة المخزومي الابتدائيتين، إثر تفجير انتحاري منذ أسبوعين.
تظاهرات شعبية خرجت داخل الحي مطالبة بإسقاط محافظ حمص طلال البرازي، باعتباره متعاطفاً مع المصالحات والتسويات في الأحياء المعارضة، حسب مصادر أهلية من داخل الحي. المشهد أعاد إلى المدينة ذكريات أحداثها الدامية الأولى قبل ثلاث سنوات، عند خروج أبنائها في تظاهرات مطالبة بإسقاط المحافظ السابق إياد غزال، كسقف لا يتعداه «الموالون» إن تظاهروا. إلا أنّ الشارع الموالي نال للمرة الأولى اهتماماً حكومياً خاصاً، بعد أن وصل وفد من القصر الجمهوري إلى منازل الشهداء، للقيام بواجب العزاء والاستماع إلى شكاوى ذويهم، بالتزامن مع تسابق وفود حكومية مؤلفة من وزراء الصحة والداخلية والأوقاف والكهرباء للاستماع لأهالي الشهداء.

بدوره، زار محافظ حمص بعض المصابين وعوائل الشهداء، في محاولة لامتصاص غضب الشارع أيضاً.
وباعتبار المدرسة واقعة ضمن قطاع حماية «الأمن العسكري»، فقد جاءت «الحقنة المخدّرة» بإعفاء رئيس الفرع العميد عبد الكريم سلوم، إضافة إلى رئيس اللجنة الأمنية اللواء أحمد جميل إبراهيم، من مهماتهما في حمص، وإعادتهما إلى عملهما السابق في دمشق.
وفيما الشائعات طالت المحافظ طلال البرازي، لافتة إلى قرب عزله نزولاً عند رغبة الشارع، تابع الرجل مهماته من دون ظهور قرار رسمي بذلك، في حين ضجّ الشارع الحمصي، إضافة إلى صفحات التواصل الاجتماعي، بالدعوات إلى استئناف التظاهرات حتى تحقيق مطلب الأهالي. الأحداث المتسارعة في المدينة تأتي بالتزامن مع عودة الحياة إلى أحيائها القديمة، التي استعاد الجيش السيطرة عليها منذ أشهر، ما أرخى شعوراً ببعض الراحة باتت تشهدها شوارع وسط المدينة حتى ساعات متأخرة من الليل.
يؤمن الحمصيون بأن التغييرات الأمنية الأخيرة لن تغيّر شيئاً في أوضاع المدينة، ما لم تتغير المنظومة الإدارية والعقلية الحاكمة لأحوال الناس في حمص خصوصاً، والبلاد عموماً.
وفي هذه الأثناء يستمر الجيش السوري بصدّ هجمات مسلحي حي الوعر الحمصي، غربي المدينة. ومن المتوقع أن تبدأ عملية عسكرية قريبة لاستعادة السيطرة على الحي المشتعل، بعد تعثر محاولات المصالحة المستمرة التي تهدف إلى انسحاب المسلحين نحو الريف الشمالي، بدل التمركز داخل الحي الذي يغصّ بالمدنيين والنازحين.