مع أن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أظهر قدراً من الاحتفال بما سماه «تراجعاً نوعياً في حجم العمليات» الفلسطينية، فإنه حاول أن يُظهر قدراً من الحذر المقابل، مستنداً في ذلك إلى إمكانية أن «يتغير هذا الاتجاه». بهذه الطريقة، يحاول نتنياهو أن يجمع بين هذا «الإنجاز» الذي نسبه إلى حكومته وأجهزته الأمنية، وبين تجنب المبالغة بما قد يؤدي لاحقاً إلى تلقيه صفعة إضافية على يد شاب فلسطيني يقدم على التضحية من أجل الدفاع عن شعبه.
ولم يأت الحذر المتزايد لدى القيادة السياسية الإسرائيلية إلا إدراكاً منها أن أهم ما يُميز هذه الانتفاضة كونها تأتي «من الأسفل إلى الأعلى، وليست موجهة من قيادة مركزية». ومما يعنيه هذا، أن «من الصعب تحليلها وتوقع اتجاهات تطورها»، من دون أن يلغي ذلك حقيقة تراجع التظاهرات الكبيرة نسبياً في الضفة المحتلة، وانخفاض عدد العمليات «المنفردة». مع ذلك، يمكن القول إنه في حال استمرار التراجع في عدد العمليات، يكون نتنياهو قد أسس لإنجاز أمني ــ سياسي لخياره من البداية. لكن إذا عادت الانتفاضة إلى زخمها السابق، يكون قد تفادى تلقي الصفعة، ولا أحد يستطيع اتهامه بالتسرع والترويج لأوهام.
على أي حال، أهمية هذا الواقع المستجد بالنسبة إليه أنه استطاع بالاعتماد على فعالية الأجهزة الأمنية، والتنسيق مع أجهزة السلطة الفلسطينية، مواجهة هذه الانتفاضة، من دون أن يقدم أي «تنازلات» سياسية تتصل بموقفه من قضايا الوضع النهائي العالقة مع السلطة. وبذلك يكون قد أثبت صحة المفهوم الذي يستند إليه في أدائه السياسي: الجمع بين الاحتلال والاستقرار الأمني من دون أثمان سياسية وأمنية واقتصادية لا تُطاق.
أما إذا عاد القتلى والجرحى الإسرائيليون يتساقطون بفعل عمليات الطعن والدهس، فتكون الانتفاضة قد جددت نفسها، وتحولت هذه المحطة إلى منعطف أساسي، كونها لقنت الأجهزة الأمنية والسياسية درساً بأن أي تراجع في منسوب العمليات لا يعني بالضرورة خمود العمليات.
في كل الأحوال، تبقى للأرقام التي قدمها «الشاباك» أمام الحكومة الإسرائيلية، وأثبت فيها حدوث تراجع نوعي في عدد العمليات، خلال الشهر الماضي (20 عملية مقابل 78 عملية خلال تشرين الأول 2015)، دلالاتها التي تحتاج إلى تفسير يمكن التأسيس عليه في الساحة الإسرائيلية، وخاصة أن هذا السجال يأتي بعد نحو ستة أشهر على بدء انتفاضة أدت حتى الآن إلى مقتل 34 إسرائيلياً ونحو 250 جريحاً.
الهدف الجمع بين الاحتلال والاستقرار الأمني من دون أثمانٍ لا تُطاق

وترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هذا التراجع في عدد العمليات، استناداً إلى ما نقله المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، يعود بالإجمال إلى ثلاثة أسباب: تحسن قدرات «الشاباك» في تحديد واعتقال الشبان الفلسطينيين الذين يسعون إلى تنفيذ «عمليات منفردة»، وحملات الاعتقال للأجهزة الأمنية الفلسطينية، إضافة إلى نشاطات دعائية واسعة للسلطة والأجهزة الأمنية في المدارس الثانوية والابتدائية، لإقناع التلاميذ بعدم الخروج إلى عمليات من المرجح أن تؤدي إلى وفاتهم.
على هذه الخلفية، يأتي اقتراح تقليص نشاطات الجيش في المناطق (أ) الواقعة تحت سيطرة السلطة، في عدة مدن، وتقييدها بحالات «القنابل الموقوتة». وتندمج هذه العمليات بتوصية واضحة من الجيش الإسرائيلي، اعتمدتها القيادة السياسية منذ بداية الصراع، هي تجنّب المسّ بسكان الضفة أو فرض قيود على دخول العمال إلى فلسطين المحتلة.
على خط مواز، أجمل موقع صحيفة «معاريف» الأسباب، بسياسة الإحباط الفعال الذي تنفذه الأجهزة الإسرائيلية في مقابل الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حركة «حماس»، إضافة إلى «الردع الفعال» لمنع العمليات، مقروناً بالحرص على «عدم الإضرار بنسيج حياة غالبية الفلسطينيين»، وهو ما أظهر للجمهور الإسرائيلي، وفقاً لتقدير «الشاباك»، استناداً إلى ما نقله الموقع، بأن التصعيد أكثر سيكون «عديم الجدوى».
في سياق متصل، أقرت الحكومة الإسرائيلية يوم أمس، خطة وزير الأمن الداخلي، غلعاد أردان، لتعزيز الأمن الشخصي في المدن والقرى العربية في فلسطين المحتلة والقدس المحتلة. وتشمل الخطّة الجديدة إقامة عشرة مراكز شرطة في مختلف القرى والمدن العربيّة، بالإضافة إلى تعزيز عشرة مراكز قائمة، وتعزيز الوحدات الميدانيّة، وتجنيد قرابة 2600 شرطي، خلال السنوات الخمس المقبلة. وهي خطّة من المتوقّع أن تبلغ تكلفتها ملياري شيقل (100 دولار = 380 شيقلاً). وانسجاماً مع هذه الخطة، ستعمد الشرطة الإسرائيلية الى إعادة نشر قواتها في الأحياء العربية للقدس تحت حجة تطبيق القانون في كل أرجاء المدينة.
ومع ارتفاع درجة التوتر من «تسخين» الأوضاع مجدداً حول المسجد الأقصى، وخاصة أنه في كل عام في هذه المدة قبل الأعياد اليهودية، يسعى اليهود المتدينون والمستوطنون إلى «زيارة المسجد الأقصى»، تم الكشف عن أن نتنياهو التزم نهاية عام 2014 أمام الملك الأردني، عبدالله الثاني، بمنع «زيارة» السياسيين الإسرائيليين إلى المسجد، وتقليص «زيارات اليهود المتديّنين» إليه، وفق تقرير «مجموعة الأزمات الدولية»، الذي يؤكد أنّ نتنياهو التزم أيضاً «بمنع تحديد دخول المسلمين إلى الأقصى».