عتبت زميلتي المصرية على عنوان غلاف عدد "الأخبار" يوم السبت (سلمان "يشتري" مصر)، الذي جاء تعليقاً على زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر نهاية الأسبوع الماضي "لتضمنه مغالطات" في نظرها. فأوضحت "أننا اتبعنا (تم بيعنا) من زمان ومش دلوقتي". استعرضت أسباب الشعور بـ"الذل والهوان" المصريين، بدءاً من الخمسينيات بسبب "بتوع البترول". حينها، سمح الرئيس جمال عبد الناصر بتصدير الأدمغة إلى الخليج. سافر آلاف المهندسين والمعلمين والأطباء لدعم دول الخليج بالمعارف والخبرات، مع بدء ثورة النفط. "الناس بهرتها فلوس الخليج" حتى لم تبق عائلة مصرية إلا ولديها مغترب ما وراء البحر الأحمر. لكن ما كان الثمن؟ "إحنا علمناهم وطوّرناهم وهم رجعونا إلى الوراء عشرات السنين". كثير من المغتربين تأثروا بالفكر الوهابي وحملوه معهم إلى محيطهم. في النتيجة، انتشر التشدد والنقاب والمذهبية.
"زي لبنان" يتفشّى "بتوع البترول" في المجتمع المصري. يدعمون مؤسسات دينية مثلما يستغلون الفقر، ويتزوج عجائزهم الفتيات. أما نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي فقد تحمّس للمال السعودي منذ بدايته. في مقاطع الفيديو المسرّبة من اجتماعه مع عدد من مساعديه في شباط 2014، سجل قوله عن دول الخليج، في إطار تشجيعه للحصول على مساعدتهم: "الفلوس عندهم زي الرز". ومع موافقة مصر على الانضمام إلى عاصفة الحزم ضد اليمن، انتشر بين المصريين شعار "الرز السعودي"، في إشارة إلى الدعم المالي لمصر بمقابل. المليارات الجديدة أفرحت البعض، لكنها أخافت آخرين دعوا إلى أخذ العبر من التجربة اللبنانية في تناول الرز السعودي. هؤلاء تحسّسوا الطيف اللبناني في محطات من زيارة "طال عمره".
الطريق من وسط البلد إلى المطار في مصر الجديدة تحتفي بالملك السعودي. على أعمدة الإنارة علقت الأعلام المصرية والسعودية ولافتات المديح والشكر. قوات الأمن أخلت الشوارع الواقعة في طريق موكب الملك، ما تسبّب في ارتباك مروري، لا سيما بإخلاء الموقف العمومي في ميدان عبد المنعم رياض في وسط القاهرة، المخصّص لأصحاب السيارات والباصات الآتين من القاهرة الكبرى. وكما في لبنان، استطاعت عطايا "مملكة الخير" تقسيم الشعب بين موال ومعارض. الصحف المحسوبة على النظام وصفت الجسر الذي أعلنت السعودية أنها ستنشئه بينها وبين شرم الشيخ فوق البحر الأحمر بـ"جسر التحالف العربي". في المقابل، انتشرت حملات للتوقيع على عريضة لرفض العطايا السعودية وهاشتاغ بشعار: "طال عمره الله يقصفه". أما عن الجدل حول مصرية أو سعودية جزيرتي صنافير وتيران في البحر الأحمر اللتين قدّمهما السيسي للسعودية، فقد شبّههما البعض بمزارع شبعا، لناحية السجال الذي افتُعِل في لبنان حولها، أهي لبنانية أم سورية. لكن ما أثار سخط المصريين أنهم "اتهزأوا" من بعض السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار اللبنانيين الذين أظهرهم المال السعودي شحاذين ومتهاونين وبيّاعين. من التعليقات التي خطّها سعوديون على "تويتر": "اللهم وسّع ديار السعوديين" و"لو ضاغطين شوي يطلعون بشرم الشيخ". وتمنى آخرون: "عساها خالية من السكان وإذا مو خالية، نظّفوها أوّل"!