يتبيّن للناظر إلى العقود الخمسة الماضية، أن تحولات عدة طرأت على أنماط التديّن في المجتمع المصري، وهو ما انعكس على الشخصية المصرية والعلاقات الاجتماعية في بلدٍ يهيمن فيه الدين في المجال العام والخاص وعلى أحوال الناس وحياتهم اليومية.
يرى الباحث المتخصص في الشؤون الدينية، فؤاد حلبوني، أن العامل الأهم في هذا التحوّل كان آثار حرب عام 1967، «حين أُجهز على المشروع الناصري، فظهر بصورة واضحة أن المؤسسات الثقافية والدينية الرسمية هي مؤسسات تابعة للنظام». آنذاك، ازدادت النقمة على كل الرموز الثقافية والدينية التي كان نظام جمال عبد الناصر قد وظّفها، ما أدى إلى ضرب المشروع الناصري بكل ما يمثله من توجه تحديثي. وقد فُسِّرَت هزيمة 67 في بداية السبعينيات من قبل نظام أنور السادات كـ«عقاب على البعد عن الدين طوال فترة الخمسينيات والستينيات». ويوضح حلبوني أنه في الفترة التي شهدت صعود الرئيس أنور السادات واصطدامه مع اليسار والناصريين في أجهزة الدولة والجامعات، «أتيحت مساحات أوسع للخطاب الديني الجديد في الإعلام المصري متمثلاً في بروز الشيخ الشهير محمد متولي الشعراوي على الشاشة المصرية». وخلال تلك الآونة، ارتبط الخطاب الديني الجديد بتزايد هجرة المصريين للعمل في الخليج وتأثرهم بأشكال التديّن الخليجي.
العامل الأهم وراء
التحولات في أنماط التديّن
كانت آثار حرب عام 1967

بالإضافة إلى العوامل السابقة، انعكست مواجهة الإسلاميين بأطيافهم كافة مع أجهزة الأمن على التديّن الفردي، وذلك طوال فترة الثمانينات والتسعينيات التي حوّلت الزوايا (انتشار الجوامع الصغيرة داخل الأبنية والمصالح والشركات والمولات فى مصر البعيدة عن رقابة الأزهر ووزارة الأوقاف) والجامعات والنقابات المهنية إلى ساحات حرب ما بين الطرفين. تلك الأحداث أدت في نهاية المطاف إلى تبنّي الدولة لخطاب الإسلاميين المحافظ نفسه والتحدث باسم الوصاية على الأخلاق العامة.
ووفقاً لحلبوني، خير مثال على تبنّي الدولة خطاباً أكثر محافظة في مواجهة التيار الإسلامي في المجال العام، هو مراجعة سلبيتها إزاء قضايا «الحسبة»، مثل قضية التفريق الشهيرة بين المفكر المصري نصر حامد أبو زيد وزوجته ابتهال يونس في أوائل التسعينيات؛ إلى جانب سيطرة الدولة الدولة التامة على الأزهر وتبعيته الكاملة لمواقف النظام المصري السياسية طوال تلك الفترة، ما أدى إلى غياب هامش التجديد في الفكر الديني والاجتهاد. كل تلك العوامل السابقة أسهمت فى تغير أنماط التدين فى مصر وبروز منظومة قيم «محافظة» أوصلت المجتمع لحالة من التأزم قبل «ثورة يناير».
وبالحديث عن الثورة، لا يزال من المبكر، وفقاً للحلبوني، الحديث عن أثرها على أشكال التديّن في المجتمع. إلا أنه يرى أنها تمكنت من «فرض فكرة الاستحقاقات الاقتصادية المطالب الاجتماعية (لغة مطلبية جديدة) على التيارات الإسلامية بطريقة سمحت بهامش أوسع من الاختلافات في ما بينها حول تلك القضايا العامة»، بعدما كانت هناك حالة من التجانس السياسي في مواجهة أجهزة الأمن وتهديدها في أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وبعدما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد طالب بـ «ضرورة تجديد الخطاب الديني في مصر»، يرى الحلبوني أن السيسي «كان حريصاً على تصدير صورة دعائية للغرب في محاولة لتخفيف أثر الدعاية الإخوانية في الغرب بعد مجزرة رابعة العدوية». أبرز مثال على خواء تلك الدعوة، هو صدور حكم بالسجن على إسلام البحيري، الباحث ومقدم البرنامج الديني على فضائية «القاهرة والناس»، والذي كان قد استغل توقيت حديث السيسي حول «الإصلاح الديني» ليطالب بضرورة تنقية التراث الديني من نوازع التطرف وكراهية الآخر.