ظهيرة 19 نيسان 2008، تجمهر الآلاف على مدخل «كوباني» الجنوبي، بانتظار وصول جثمان شيرين حسين التي قتلت في مواجهات مع الجيش التركي في منطقة ديرسيم (تونجيلي بعد تتريك الاسم). لم يكن المشهد غريباً عن المدن الكردية السورية التي فقدت، بالطريقة ذاتها، ابنة مدينة عفرين، خالدة حسن (روكن) في معارك شرناخ التركية عام 1989.
مدهشة هي اليوم هذه الفورة الاعلامية حول المقاتلات الكرديات في صفوف «وحدات حماية الشعب». حاملات السلاح والجدائل عامل جذب للميديا والمشاهدين في عصر الظلامية الدينية و«التفوّق» الوهابي. لم يعتد العرب، مثلاً، تماس المرأة مع فكرة السلاح والاختلاط إلى هذا الحدّ.
لكن قد يكون من المهين للمقاتلات النظر إليهن كـ«منتج» جديد ومثير، أو في أحسن الأحوال كفعل اضطراري لمجتمع خسر معظم رجاله لتحمل المرأة السلاح دفاعاً عن بلدتها.
ظاهرة المقاتلات هذه ليست استثنائية أو وليدة اللحظة، بل تتعلق بثقافة ممتدة منذ عشرات السنين.
لعلّ البحث الهادئ والمدرك لقضيتهنّ يأخذنا إلى ما هو أبعد من صورة امرأة بلباس مرقّط. قد يجيد الغوص قليلاً في تاريخ حزب العمال الكردستاني لنفهم خطّ سير المقاتلة الكردية منذ ثمانينيات القرن الماضي. «النصف الآخر» من المجتمع يعدّ ركناً أساسياً في حزب عبدالله أوجلان، وهو القائل عند توجّهه إلى النساء في المعسكرات: «حاربن العدو الذي في ذهنكن وفي داخلكن، حينها ستتمكّنّ من محاربة العدو الخارجي... إنّ الذي يحارب يصبح جميلاً، ومن يصبح جميلاً يُحَب ويُحْترَم».
اليوم في «كوباني» تقود امرأة حملة الدفاع عن المدينة. لم تعيّن في مركزها كسباً لتعاطف ما أو على نحو صوري. موقعها هو ببساطة تراكم تاريخي بدأ نظرياً وتنظيمياً في السبعينيات ومرّ بتأسيس أكاديمية «معصوم قورقماز» العسكرية في لبنان أوائل الثمانينيات. على جبهات «كوباني» يحاول الاعلام الوصول إليها. المهمة تبدو صعبة. المحيطون بها يحيلون السائل على القائدة الفلانية أو القائد الفلاني، أمّا هي فتقوم بما أتقنته رفيقاتها في أعالي جبال قنديل. تنتقل من غرفة العمليات إلى الخطوط الأمامية وتوزّع المهمات. تعمل «لكي تصبح جميلة» بنظر رفاقها وأهلها، ولكي يصبح غد هؤلاء أجمل. اسمها نارين عِفرين.